السؤال
أمر الله تعالى العوام أن يسألوا أهل الذكر، فلماذا لا يعطينا أهل الذكر الفتوى كي لا يزيدونا تخبطا فوق تخبط؟ قرأت في الفتوى رقم: 246145، والثالثة: هل الحرمة بين الزاني والزانية مؤقتة أم مؤبدة؟ فقال بالتأبيد طائفة من الصحابة كعائشة وابن مسعود، والجمهور أنها مؤقتة بالتوبة كنكاحهما من غيرهما ـ فما أدراكم أن نكاحهما من غيرهما حلال، ومن نفسهما حرام حتى لو تابا؟ وهذا قولكم: قال البهوتي في شرح المنتهى: فإن تابت وانقضت عدتها حلت لزان كغيره في قول أكثر أهل العلم منهم أبو بكر وعمر وابنه وابن عباس، وجابر وعن ابن مسعود والبراء بن عازب وعائشة لا تحل لزان بحال ـ إذا كانت الزانية لا تحل لزان بحال حسب أولئك الصحابة، فمن الأولى أن لا تحل لعفيف بحال خاصة أن الله في القرآن حرم نكاح الزانية وأطلق... ولم يذكر أنه بعد التوبة لا يجوز نكاحها، فهي إذا تابت ليست زانية ولا يشملها التحريم! فكيف تم الاستدلال أعلاه حسب بعض الصحابة بأن الزانية لا تحل للزاني بحال وأنها تحل لغير الزاني العفيف بعد التوبة والاستبراء؟ وكيف تزيدون تشتت الناس أكثر؟! تبت من الزنا أنا وخطيبي، وبعد العدة قمنا بعقد النكاح، فهل حكم عقدنا مختلف فيه؟ وهل بقائي معه من تتبع الرخص؟ أليس ربنا يقول:... والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنختصر الجواب عن سؤالك في النقاط التالية:
1ـ لا إشكال في أنه لا يجوز للمفتي إلقاء السائل في الحيرة والتخبط، إلا أن ذكر أقوال الفقهاء في المسألة لا يقتضي ذلك إذا بين المفتي الراجح من تلك الأقوال، وهو المنهج الذي يسير عليه مركز الفتوى في الشبكة الإسلامية، قال الرحيباني: ولا يجوز للمفتي أن يلقي السائل في الحيرة، كأن يقول في مسألة في الفرائض تقسم على فرائض الله تعالى، أو يقول: فيها، أي المسألة التي سئل عنها قولان، بل يبين بيانا مزيلا للإشكال، لأن الفتيا تبين الحكم. انتهى.
2ـ لم يكن سؤال السائل في الفتوى رقم: 246145، عن نكاح الزاني ممن زنى بها على الخصوص، وإنما عن حكم الزواج من الزناة والزواني قبل التوبة على العموم، وإنما وقع الكلام على مسألة نكاح الزاني ممن زنى بها في تنبيهات الفتوى للتمييز بينهما، ولذلك لم نتعرض للراجح في هذه المسألة الفرعية.
3ـ الراجح في مسألة حرمة نكاح الزاني ممن زنى بها أنها حرمة مؤقتة بالتوبة، بمعنى أنهما إذا تابا من الزنا وانقضت عدتها صح نكاحهما من بعض بغير خلاف بين المذاهب الأربعة المتبوعة اليوم، كما يصح نكاحهما من غيرهما، ووجه الترجيح عدم تفريق الأدلة بين الحالتين، وإلى هذا نبه الموفق ابن قدامة بقوله: فأما تحريمها على الإطلاق: فلا يصح؛ لقوله تعالى: وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم {النساء: 24}. اهـ.
4ـ عمل السائل بقول المفتي في المسائل الخلافية ليس من باب الأخذ بالرخص، ما دام السائل لم يسأل غيره ويتخير الأسهل تتبعا للرخص، لأن العامي مذهبه مذهب مفتيه، وعليه فإذا أفتاك المفتون الثقات بصحة النكاح، فلا يؤثر في ذلك كون النكاح مختلفا فيه عند الفقهاء، فما أكثر الأنكحة المختلف فيها بين الفقهاء.
5ـ التمسك بإطلاق الآية الثالثة من سورة النور لتحريم نكاح الزناة والزواني ولو بعد التوبة ـ كما توهمه السائل ـ في غير محله، لانقطاع وصف الزنا عنهما بالتوبة، قال الموفق ابن قدامة في تقرير هذا المعنى: وهي قبل التوبة في حكم الزنى، فإذا تابت زال ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له ـ وقوله: التوبة تمحو الحوبة... ولأنها إذا كانت مقيمة على الزنا لم يأمن أن تلحق به ولدا من غيره، وتفسد فراشه. اهـ.
والله أعلم.