السؤال
كيف كان هلاك قوم لوط؟ وهل -فعلا- سيدنا جبريل عليه السلام رفع القرى؟ وهل هذه القصة حقيقية ام من الإسرائيليات؟ حيث إني قرأت أن الهلاك كان بالزلازل الحمم البركانية، وما معنى: وما هي من الظالمين ببعيد؟ وهل المقصود بالأمراض الجنسية ام الحجارة؟ وهل من شروط تحقيق هذا الوعيد أن يكون هناك أناس مثلهم في الكفر والفعل والمنكر وقطع الطريق والفاحشة؟ فزوجة سيدنا لوط كانت كافرة، ولم تكن تفعل الفاحشة، والنساء كن يفعلن السحاق الذي هو أقل من اللواط، وقد أصابهم كلهم نفس العذاب؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد في السنة النبوية في أمر تعذيب قوم لوط أن جبريل ضربهم بجناحه، فطمس أعينهم، وأذهب بصرها، فقد روى الحاكم في كتابه المستدرك على الصحيحين بإسناده عن السدي، عن أبي مالك، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن أناس، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا قال: لما خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط وأتوها نصف النهار، فلما بلغوا نهر سدوم لقوا ابنة لوط تستقي من الماء لأهلها ـ وكان له ابنتان ـ فقالوا لها: يا جارية، هل من منزل؟ قالت: نعم، مكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم فأتت أباها، فقالت: يا أبتاه أدرك فتيانا على باب المدينة ما رأيت وجوه قوم هي أحسن منهم لا يأخذهم قومك فيفضحوهم، وقد كان قومه نهوه أن يضيف رجلا حتى قالوا: حل علينا فليضيف الرجال فجاءهم ولم يعلم أحدا إلا بيت أهل لوط، فخرجت امرأته فأخبرت قومه، قالت: إن في بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط، فجاءه قومه يهرعون إليه، فلما أتوه قال لهم لوط: يا قوم اتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ـ مما تريدون، قالوا له: أو لم ننهك إن تضيف الرجال قد علمت أن ما لنا في بناتك من حق، وإنك لتعلم ما نريد، فلما لم يقبلوا منه ما عرضه عليهم، قال: لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ـ يقول صلوات الله عليه: لو أن لي أنصارا ينصروني عليكم أو عشيرة تمنعني منكم لحالت بينكم وبين ما جئتم تريدونه من أضيافي، ولما قال لوط: لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد بسط حينئذ جبريل جناحيه ففقأ أعينهم وخرجوا يدوس بعضهم في آثار بعض عميانا، يقولون: النجا النجا، فإن في بيت لوط أسحر قوم في الأرض فذلك قول الله عز وجل: ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم { القمر: 37} وقالوا: يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك، فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك ـ فاتبع آثار أهلك، يقول: وامضوا حيث تؤمرون ـ فأخرجهم الله إلى الشام وقال لوط: أهلكوهم الساعة فقالوا: إنا لم نؤمر إلا بالصبح أليس الصبح بقريب، فلما أن كان السحر خرج لوط وأهله عدا امرأته، فذلك قول الله عز وجل: إلا آل لوط نجيناهم بسحر {القمر: 34 ـ هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال الذهبي في كتابه التلخيص: على شرط مسلم. اهـ.
وأما تعذيب الله تعالى قوم لوط عن طريق جبريل على نبينا وعليه الصلاة والسلام حيث قلب مدائنهم بطرف جناحه، حتى صار عاليها سافلها، فلم نجده من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، وذلك بعد البحث والتنقيب فيما بين أيدينا من دواوين السنة النبوية المشهورة، وإنما وجدناه من كلام بعض التابعين، ولا نعلم إن كان مستندهم الإسرائيليات أو غيرها، ومن ذلك ما ذكره ابن كثير في تفسيره عن مجاهد أنه قال: أخذ جبريل قوم لوط من سرحهم ودورهم، حملهم بمواشيهم وأمتعتهم، ورفعهم حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ثم أكفأهم، وقال وكان حملهم على خوافي جناحه الأيمن. اهـ.
ولم يورد حديثا يشهد لهذا، وكذلك روى أبو الشيخ الأصبهاني في كتابه العظمة بإسناده عن قتادة -رحمه الله تعالى- قال: كانت مدائن قوم لوط ثلاثة آلاف ألف بالسهل ببطن الغور، والرابعة على الظاهر من الشراة، فيها أربعة آلاف ألف إنسان، قال قتادة رحمه الله تعالى: وبلغنا أن إبراهيم عليه السلام كثيرا ما يشترف على مدائن قوم لوط بسدوم، فيقول: أي يوم لك؟ قال قتادة: بعث جبريل فانتسفها من أصولها من العروة السفلى بجناحه، حتى سمع أهل السماء أصوات الديوك، وضغاء الكلاب، ثم أهوى بها إلى الأرض، وصار أسفلها أعلاها، وجرجم بعضهم على بعض، وأتبع شذاذ القوم صخرا منضودا. اهـ.
وقال ابن جرير الطبري في تفسيره: قوله: والمؤتفكة أهوى {النجم: 53} يقول تعالى: والمخسوف بها، المقلوب أعلاها أسفلها، وهي قرية سدوم قوم لوط، أهوى الله، فأمر جبريل صلى الله عليه وسلم، فرفعها من الأرض السابعة بجناحه، ثم أهواها مقلوبة، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. اهـ.
وبعد أن ذكر الشوكاني في تفسيره الأثر الآنف ذكره عن مجاهد قال: وقد ذكر المفسرون روايات وقصصا في كيفية هلاك قوم لوط طويلة متخالفة، وليس في ذكرها فائدة، لا سيما وبين من قال بشيء من ذلك وبين هلاك قوم لوط دهر طويل لا يتيسر له في مثله إسناد صحيح، وغالب ذلك مأخوذ عن أهل الكتاب، وحالهم في الرواية معروف، وقد أمرنا بأنا لا نصدقهم ولا نكذبهم. اهـ.
وبالنسبة للمراد من قوله تعالى: وما هي من الظالمين ببعيد ـ قال ابن جزي في تفسيره التسهيل لعلوم التنزيل: وما هي من الظالمين ببعيد ـ الضمير للحجارة، والمراد بالظالمين: كفار قريش، فهذا تهديد لهم، أي ليس الرمي بالحجارة ببعيد منهم لأجل كفرهم، وقيل: الضمير للمدائن ـ أي قرى قوم لوط ـ فالمعنى: ليست ببعيدة منهم، أفلا يعتبرون بها، كقوله: ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء {الفرقان: 40} وقيل: إن الظالمين على العموم. اهـ.
وقال الشنقيطي في كتابه: أضواء البيان: قوله تعالى: وما هي من الظالمين ببعيد ـ في هذه الآية الكريمة ثلاثة أوجه من التفسير للعلماء: اثنان منها كلاهما يشهد له القرآن، وواحد يظهر أنه ضعيف... أما الوجهان اللذان يشهد لكل واحد منهما قرآن: فالأول منهما: أن ديار قوم لوط ليست ببعيدة من الكفار المكذبين لنبينا، فكان عليهم أن يعتبروا بما وقع لأهلها إذا مروا عليها في أسفارهم إلى الشام، ويخافوا أن يوقع الله بهم بسبب تكذيب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مثل ما وقع من العذاب بأولئك بسبب تكذيبهم لوطا عليه الصلاة والسلام، والآيات الدالة على هذا كثيرة جدا كقوله: وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون ـ وقوله: وإنها لبسبيل مقيم إن في ذلك لآية للمؤمنين ـ وقوله: وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم ـ وقوله: ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون ـ إلى غير ذلك من الآيات، وعلى هذا القول فالضمير في قوله: وما هي ـ راجع إلى ديار قوم لوط المفهومة من المقام.
الوجه الثاني أن المعنى: وما تلك الحجارة التي أمطرت على قوم لوط ببعيد من الظالمين للفاعلين مثل فعلهم، فهو تهديد لمشركي العرب كالذي قبله، ومن الآيات الدالة على هذا الوجه قوله تعالى: أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ـ فإن قوله: وللكافرين أمثالها ـ ظاهر جدا في ذلك، والآيات بنحو ذلك كثيرة. اهـ.
وعلى كلا المعنيين، فلا يشترط -والعلم عند الله- اجتماع جميع الخصال التي كان يفعلها قوم لوط في تحقيق الوعيد، فإن قريشا ومشركي العرب مع تكذيبهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يجتمع فيهم تلك الخصال أجمعين، ومع ذلك توعدهم الله بأن يصنع فيهم صنيعه في قوم لوط.
وأما الزعم بأن نساء قوم لوط كن يفعلن فاحشة السحاق، فإنه يحتاج إلى دليل ناهض، فإن القرآن أخبرنا بما كان يفعله رجال قوم لوط ولم يخبرنا بما كان يفعله نساؤهم، وعلى كل حال قد شمل العذاب قوم لوط أجمعين، رجالا ونساء، ولو لم يفعل النساء ما فعله رجالهم، فقد كان الجميع كافرين مكذبين للوط عليه السلام، فاستحقوا العذاب، ولا يظلم ربك أحدا، قال تعالى: كذبت قوم لوط المرسلين {الشعراء:160}.
ومما يستدل به على أن الكفر بتكذيب الرسول كاف في إيقاع العقوبة التي أصابت قوم لوط، ما تقدم ذكره من أن الله تعالى توعد قريشا لما كذبوا نبينا عليه الصلاة والسلام بأن يصيبهم ما أصاب قوم لوط.
والله أعلم.