السؤال
استعرض المبررات التي اتبعها كل من المهاجرين والأنصار في تفسير أحقيتهم بالخلافة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأولا: لابد أن تعرف أن مسارعة الصحابة رضي الله عنهم إلى تعيين خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن حبا منهم في الولاية، ولا تنافسا فيها لغرض دنيوي، وإنما أهمهم أمر الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وخافوا على مستقبل الدعوة الإسلامية وإدراكا منهم لخطورة الأوضاع المحيطة بالكيان الإسلامي الذي لم يمض عليه إلا عقد واحد من السنين، هذا كله جعلهم يتحركون في اتجاه اختيار الخليفة قبل أن ينتهوا من تشييع الجسد الشريف إلى مثواه.
فالأنصار اجتمعوا حول زعيمهم سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، ولما كانوا هم السكان الأصليين للمدينة عاصمة الإسلام، وهم الذين آووا المهاجرين، وهم الذين نصروا الإسلام بأرواحهم وأموالهم، رأوا أنهم أحق الناس برئاسة الدولة ورعاية الإسلام.
أما المهاجرون، والذين كانوا مجتمعين مع أبي بكر لنفس الغرض، فقد علموا باجتماع الأنصار، فقال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى اخواننا من الأنصار فإن لهم في هذا الحق نصيبا، ولما وصلوا إليهم حدث نقاش طويل بينهم حول أحقية كل طرف بتولي الخلافة.
وقد تكلم أحد الأنصار فقال: أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم معشر المهاجرين رهط وقد دفت دافة من قومكم فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضنونا(يخرجونا) من الأمر.
أما المهاجرون، فقد تكلم بلسانهم أبوبكر فأبلغ وكان مما قال: ما ذكرتم فيكم من خير فأتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش.. هم أوسط العرب نسبا ودارا... يا معشر الأنصار إنا والله ما ننكر فضلكم، ولا بلاءكم في الإسلام ولا حقكم الواجب علينا، ولكنكم عرفتم أن هذا الحي من قريش بمنزلة من العرب ليس بها غيرهم، وأن العرب لن تجتمع إلا على رجل منهم فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، فاتقوا الله ولا تصدعوا الإسلام.
ومن خلال هذه المناقشة نرى أن الأنصار نظروا إلى الخلافة من زاوية محدودة بظروف المجتمع المدني، والعلاقة التاريخية بين المهاجرين والأنصار، أما المهاجرون فنظروا نظرة واسعة على مستوى الدولة كلها، وما يترتب على خروج السلطة من قريش من عواقب كبيرة، لأن العرب يمكن أن ترضى بقيادتها لمكانتها فيهم، أما لو تولاها الأنصار، فقد تقع انشقاقات خطيرة تؤدي إلى تفكك الدولة الإسلامية. من كلام د. أكرم ضياء العمري
ولما كانت مصلحة الإسلام هي المقدمة عند الصحابة رضي الله عنهم، لم يجد الأنصار إلا التسليم للمهاجرين بأحقيتهم بالخلافة لما ظهر لهم قوة حجتهم، وصواب رأيهم، فسارعوا إلى مبايعة أبي بكر.
وقال سادتهم لأبي بكر: صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء.
وقال زيد بن ثابت الخزرجي: إن رسول الله كان من المهاجرين ونحن أنصارهم كما كنا أنصار رسول الله.
فقال أبو بكر: جزاكم الله خيرا من حي يا معشر الأنصار.
والله أعلم.