السؤال
أنا شاب تخرجت مؤخرا، وأحاول الالتزام منذ فترة - الحمد لله - أصابتني أنواع مختلفة من الوساوس إلى أن وصلت لوساوس في العقيدة وأكثر من ذلك، والعياذ بالله. ومازلت أعاني منها إلى الآن. إلى درجة أني أحيانا أشعر أني في ظلمة وضيق شديد، وعلى سوء لم أعهده لنفسي طوال حياتي، وأشعر حتى أني أكذب على نفسي بإحالة كل ما أنا فيه للوسواس.
بالإضافة إلى ذلك عندي رغبة كبيرة في الزواج لدرجة عودتي للأسف مرة أخرى للعادة السرية، وعدم التزامي بغض البصر في بعض الأوقات.
فذهبت إلى عمل، لكن كل عمل يكون شاقا بالنسبة لي، فلا أستمر سوى يوم وأنقطع بسبب الإرهاق والتعب في العمل. ولا أعلم إن كان من الممكن أن يكون تقصيرا أو تكاسلا مني أيضا؛ لأني لدي القولون العصبي، وعندي حاليا بعض المشاكل في الهضم والغازات. ولم أستطع بعد تنظيم أكلي والتقليل منه؛ ولأني لم يسبق لي العمل خاصة أنها أعمال في مطاعم، وتكون متعبة إلى حد ما.
فسؤالي هل أأثم إن لم أذهب إلى العمل تحديدا لتحصيل المال للزواج إن لم آمن على نفسي الفتنة. سواء فتنة الشهوات، أو فتنة الوساوس بسبب الفراغ؟
لأني عندي شعور قوي بذلك، وهل يصح علي القياس إن تخلفت عن العمل بالآية الكريمة، وهي قول الله تعالي : إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ( 97 ) أم أني أبالغ في فهمي وقياسي.
وهل أكون ممن لم يصدقوا الله؛ لأني وقت البلاء لم أصبر، ولم أصبر على تحمل العمل وتكاسلت وتخلفت، خاصة وأنه - سبحان الله - عندما طلبت عملا في إعلان جاءني عمل بمطعم بقربه مسجد، يسهل علي صلاة الجماعة فيه، وكأنها رسالة من الله - والله أعلم - أنه لا حجة لي.
ولكن كان العمل مرهقا إلى حد ما، فهل إن استبدلت العمل حاليا بالمكوث في المنزل، والاستماع للمحاضرات، وقراءه القرآن، والصلاة، ومحاولة طلب العلم لشغل فراغي. وذلك لحين العثور على عمل غير شاق ومناسب حقيقة لي. هل أكون أقنع نفسي بذلك فقط للتخلف عن العمل وأأثم بذلك؟
خاصة إن كنت قد حاولت سابقا، وفشلت في الانتظام في ذلك لشغل فراغي وسد أبواب الشر السابق ذكرها .
أرجو أن تفيدوني بالتفصيل، وعدم إحالتي إلى فتاوى أخرى. وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله ان يعافيك ، وأن يشرح صدرك ، وييسر أمرك .
وهناك مسائل عدة وردت في ثنايا سؤالك.
أولها : النكاح وهل هو واجب أم لا ، وجوابه : أن النكاح في الأصل مستحب ، و لا يجب إلا على من خشي على نفسه الوقوع في الحرام - كالزنا أو الاستمناء - بتركه للزواج ، كما بيناه في الفتوى رقم : 241732 .
ومنها : حكم الاكتساب ، وجوابه : أن الاكتساب وطلب المال يختلف حكمه باختلاف الأشخاص، والأحوال . جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية : ذهب الفقهاء إلى أن الاكتساب فرض على المحتاج إليه إذا كان قادرا عليه، لأنه به يقوم المكلف بما وجب عليه من التكاليف المالية، من الإنفاق على النفس والزوجة والأولاد الصغار، والأبوين المعسرين، والجهاد في سبيل الله وغير ذلك ، ويفصل ابن مفلح الحنبلي حكم الاكتساب بحسب أحوال المكتسب، وخلاصة كلامه: يسن التكسب مع توفر الكفاية للمكتسب، قال المروزي: سمعت رجلا يقول لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: إني في كفاية، قال الإمام أحمد: الزم السوق تصل به رحمك، وتعد به على نفسك. ويباح التكسب لزيادة المال والجاه والترفه والتنعم والتوسعة على العيال، مع سلامة الدين والعرض والمروءة وبراءة الذمة. ويجب التكسب على من لا قوت له ولمن تلزمه نفقته ، وعلى من عليه دين أو نذر طاعة أو كفارة .اهـ.
ومنها : هل يجب الاكتساب لتحصيل نفقة الزواج لمن خشي الوقوع في الحرام؟ فقد جاء في حاشية قليوبي على منهاج الطالبين وهو من الفقه الشافعي قوله: ولا يلزمه قبول هبة المهر , ولا التكسب له. اهـ.
أما قضية وجوب الكسب لدفع مفسدة الفراغ ففيها نظر، لأن الفراغ يدفع بغير الاكتساب من طلب العلم والعبادة ، وغيرها من الأمور .
وأما قوله تعالى : إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا {النساء:97}، فلا يظهر له أي تعلق بتركك للوظيفة ، ولا يظهر وجه صحيح لقياس ترك الوظيفة على ما جاء في هذه الآية .
ولا يقال بأن من لم يصبر على كسب معين أنه غير صادق مع الله .
ونوصيك أخيرا بعدم الاسترسال مع الوساوس ، ولتعلم أن ثم فرائض عظيمة أحرى وأولى أن يحاسب المرء نفسه عليها مما سألت عنه ، كأعمال القلوب من الإخلاص والتوكل ونحوها ، والفرائض الظاهرة كإقامة الصلوات الخمس وبر الوالدين ، ونحوها .
وانظر للفائدة الفتوى رقم : 219766 .
والله أعلم.