السؤال
سؤالي يتعلق بالمذاهب: فقد سمعت من بعض العلماء أنه بمجرد إيمانك بالقرآن والأحاديث الصحيحة تكون مسلما, فكيف يكون هذا مع الرغم من أن أهل السنة وأهل البدع يختلفون في الأحاديث الصحيحة, والقرآنيون لا يعترفون بالأحاديث أصلا؟ وكيف تمكنني معرفة أن أهل السنة على حق أو أن أهل البدع على باطل؟ وكيف يمكن لشخص حديث عهد بالإسلام اختيار مذهب مع أن أهل السنة والمذاهب الأخرى يختلفون في الأحاديث ويتناقضون فيها؟ وما الدليل على أن مذهب أهل السنة هو الحق ومذهب الأخرين باطل؟ وكيف يمكنني أن أثق بالأحاديث التي ينقلها أهل السنة إن كان أهل البدع والمذاهب الأخرى قد حرفوا الأحاديث؟ ومن الممكن أن يكون نقل القرآن قد دخله التحريف!.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا، ويقينا شرور أنفسنا، وأن يهدينا إلى ما يحب ويرضى، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وأما موضوع السؤال: فنقرر ابتداء أن الهدى بيد الله تعالى، يهدي من يشاء بفضله ورحمته، ويضل من يشاء بعدله وحكمته، وهو أعلم بمواقع فضله وعدله: إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى {النجم: 30}.
وراجع في ذلك وفي بيان صفات من يهديهم الله تعالى ومن لا يهديهم، الفتوى رقم: 150809.
فإذا أقر العبد بذلك، وتوكل على ربه في طلب الهداية، واستعان به على عبادته، والاستقامة على طاعته، وبذل جهده في التعرف عليه، وأحسن في المسير إليه، وفقه الله تعالى وأعانه وسدده، قال سبحانه: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين {العنكبوت:69}.
ولذلك، فإنا نجمل جواب السائل فنقول: حسن القصد، وصدق النية، وتحري الحق، وطلب العلم، وبذل الجهد... هي عدة مريد الهداية، وطالب الإصابة، إذا اختلف الناس وتشعبت بهم الدروب في الفكر والسلوك! فلا يسع المرء أن يسلم نفسه لهواها، وقد تعددت أمامه المذاهب والملل، واختلفت عنده الآراء والنحل، بل لا بد من طلب العلم الذي يميز به الحق من الباطل، ويعرف به الخطأ من الصواب، وهذا يحتاج إلى صبر ومصابرة وبحث وتحر، طالما كان الأمر مشتبها، وأصل ذلك وأول طريقه ونقطة انطلاقه: القرآن الكريم، درسا وتدبرا، وفكرا وتذكرا، فعند ذلك يستبين الطريق وتلوح معالمه، ويعرف العبد أن الإسلام هو دين الحق الذي لا يقبل من أحد سواه، وراجع الفتوى رقم: 200191.
وأن فهم الإسلام لا يكون إلا بمعرفة حال الرسول الذي أنزل عليه القرآن ليبينه للناس بأفعاله وسلوكه وسنته وسيرته؛ كما قال تعالى: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون {النحل: 44}.
ولذلك قالت أم المؤمنين عائشة لما سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان خلقه القرآن. رواه مسلم وأحمد واللفظ له.
وراجع في الرد على طائفة القرآنيين الفتاوى التالية أرقامها: 31742، 4588، 108792، 52104.
ثم بعد ذلك يرى المتدبر للقرآن أن من رحمة الله تعالى أن أخرج للناس أمة هادية مهدية على يد الرسول صلى الله عليه وسلم، لتكون حجة على من بعدهم، وقدوة وأسوة لهم، يقاس الناس بهم، ويوزنون بحالهم، كما قال سبحانه: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم {التوبة: 100}.
وغير ذلك مما في القرآن من نصوص الثناء العطر على حملة هذه الرسالة ومبلغيها الأوائل، الذين كانوا أمة أمية جاهلية فأخرجهم الله تعالى بكتابه المجيد وبرسوله الكريم، من الظلمات إلى النور، وزكى بذلك نفوسهم، وآتاهم العلم والحكمة، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 68771، ورقم: 56684.
وراجع في ما يخص جهود علماء السنة في حفظها ورد ما لا يصح منها، الفتوى رقم: 132402.
وخلاصة الأمر أن الله تعالى أقام حجته على عباده، بأن أنزل كتابا، وأرسل رسولا، وجعل له أصحابا هم خير الناس بعده يأخذون عنه مباشرة، ويهتدون بهديه وينقلون سنته، فمن وافقهم أصاب وأفلح وأنجح، ومن خالفهم أخطأ وخاب وخسر، فلا يمكن أن يهتدي المرء أو يصيب في فهم الإسلام إلا في ضوء السنة النبوية والسيرة العملية، وتطبيقات السابقين الأولين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وخاصة الخلفاء الراشدين، وأما تفصيل ذلك: فلا بد له من طلب العلم بفروعه المتعلقة بهذه القضايا، وهي: مسائل الاعتقاد، والفقه وأصوله، والحديث وعلومه، حتى يقف طالب الحق على الأدلة التفصيلية فيما يتعرض له، ويعرف وجه الاشتباه وجوابه، فمن سلك سبيل العلم عرف ذلك، ومن وجد في نفسه قصورا عن هذه المرتبة فليكتف بالأصل المجمل الذي أشرنا إليه من التمسك بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة من الصحابة وتابعيهم بإحسان من الأئمة الأعلام، ولا يعرض نفسه للفتن، ولا يتكلف ما لا يطيق حمله، وليستعذ بالله تعالى من شر شياطين الإنس والجن، وليلجأ إليه سبحانه ويدعوه أن يهديه لأرشد أمره وأن يقيه شر نفسه.
والله أعلم.