السؤال
هل المهر هدية بلا مقابل أم أجر بمقابل: وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ـ فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ـ وكيف نجمع بين الآيتين؟ قرأت كلاما لأحد الشيوخ يقول: إن المهر هدية بلا مقابل مادي، ويقول: لا يمكن أن تكون مقابل الاستمتاع، لأنه شيء مشترك بين الطرفين، ولكنها في مقابل معنوي مقابل قوامة الرجل على المرأة، ولست مقتنعة بكلامه تمام الاقتناع لأن الآية نفسها ذكرت فيها كلمة الاستمتاع، لذا أرجو التوضيح.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المهر يصح أن يطلق عليه هدية واجبة، فقد جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: المهر هو المال الذي تستحقه الزوجة على زوجها بالعقد عليها أو بالدخول بها، وهو حق واجب للمرأة على الرجل عطية من الله تعالى مبتدأة، أو هدية أوجبها على الرجل بقوله تعالى: وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ـ إظهارا لخطر هذا العقد ومكانته، وإعزازا للمرأة وإكراما لها. انتهى.
وقد ذكر القرطبي اختلاف المفسرين في تفسير النحلة، فقال رحمه الله: قوله تعالى: نحلة ـ النحلة، والنحلة، بكسر النون وضمها لغتان وأصلها من العطاء، نحلت فلانا شيئا أعطيته، فالصداق عطية من الله تعالى للمرأة، وقيل: نحلة ـ أي عن طيب نفس من الأزواج من غير تنازع، وقال قتادة: معنى: نحلة ـ فريضة واجبة ـ ابن جريج وابن زيد: فريضة مسماة ـ قال أبو عبيد: ولا تكون النحلة إلا مسماة معلومة ـ وقال الزجاج: نحلة ـ تدينا، والنحلة الديانة والملة، يقال: هذا نحلته أي دينه، وهذا يحسن مع كون الخطاب للأولياء الذين كانوا يأخذونه في الجاهلية. انتهى.
ويسمى المهر أيضا أجرا، قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ـ الاستمتاع التلذذ، والأجور المهور، وسمي المهر أجرا، لأنه أجر الاستمتاع، وهذا نص على أن المهر يسمى أجرا وذلك دليل على أنه في مقابلة البضع، لأن ما يقابل المنفعة يسمى أجرا. انتهى.
وقد ذكر الجمع بين الآيتين الشيخ محمد أبو زهرة ـ رحمه الله ـ في تفسيره زهرة التفاسير، فقال: قد يقال: لماذا عبر هنا ـ أي في قوله تعالى: فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ـ بالأجر، وفي أصل فرضية المهر بما يفيد أنه عطاء، فقد قال تعالى: وآتوا النساء صدقاتهن نحلة؟ والجواب عن ذلك: أن الآيات التي بينت أصل الوجوب تبين القصد من الشرعية، وهو كونه هدية واجبة لبيان شرف العلاقة بين الرجل والمرأة، وللمعاني التي شرع من أجلها المهر، أما الآيات التي سمت أجرا فهي لبيان الأداء بعد أن تأخر عن ميقاته، فلتأكيد الأداء سمي أجرا، وأصبح المؤدي غير جدير بأن يسمى معطيا أو ناحلا أو مانحا. انتهى.
فمما سبق نعلم أن من حكم وجوب المهر إظهار خطر عقد النكاح ومكانته، وإلى هذا أشار صاحب مغني المحتاج: وسمي بذلك لإشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح. انتهى.
ومثله ما في حاشية الصاوي على الشرح الصغير: الصداق, مأخوذ من الصدق، ضد الكذب، لأن دخوله بينهما دليل على صدقهما في موافقة الشرع. انتهى.
ومن حكم وجوب المهر أيضا: إعزاز المرأة وإكرامها، وقد أوضح ذلك الكاساني في بدائع الصنائع، حيث قال رحمه الله: لو لم يجب المهر بنفس العقد لا يبالي الزوج عن إزالة هذا الملك بأدنى خشونة تحدث بينهما، لأنه لا يشق عليه إزالته لما لم يخف لزوم المهر، فلا تحصل المقاصد المطلوبة من النكاح، ولأن مصالح النكاح ومقاصده لا تحصل إلا بالموافقة، ولا تحصل الموافقة إلا إذا كانت المرأة عزيزة مكرمة عند الزوج، ولا عزة إلا بانسداد طريق الوصول إليها إلا بمال له خطر عنده، لأن ما ضاق طريق إصابته يعز في الأعين فيعز به إمساكه, وما يتيسر طريق إصابته يهون في الأعين فيهون إمساكه، ومتى هانت في أعين الزوج تلحقها الوحشة، فلا تقع الموافقة، فلا تحصل مقاصد النكاح. انتهى.
وبهذا يتبين خطأ من نفى أن يكون المهر في مقابل الاستمتاع، وأن ما ذكره من أن المهر في مقابلة قوامة الرجل على المرأة قد ذكره الدهلوي في حجة الله البالغة، ولكن هذا لا ينفي غيره من الحكم خصوصا المنصوص عليها وهي الاستمتاع، وللاطلاع على كلام الدهلوي وغيره من العلماء في الحكمة من مشروعية مهر المرأة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 174175.
والله أعلم.