سبب نزول الآية 61 من سورة ‏النور وفوائدها

0 314

السؤال

‏ما سبب نزول الآية 61 من سورة ‏النور؟ وهل فيها إعجاز مثلا؛ لأني لا ‏أعرف ما فائدة هذه الآية الكريمة، ‏هي أكيد من عند الله، ولكن ماذا ‏قدمت لنا، وبماذا تفيد، خصوصا في ‏جزئية الأكل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فينبغي العلم أولا أن الأدب مع الله يقتضي انتقاء الألفاظ، وأن لا يطلق الشخص عباراته هكذا كما جاء في السؤال.

ثم اعلم أن جميع آيات القرآن شأنها عظيم، وفائدتها كبيرة.

وفيما يخص هذه الآية: فقد جاء في سبب نزولها ما يفيد رحمة الله بالأمة، وتوسعته عليها، وحكمة تشريعاته لها في أمور الأكل، والتعامل بين الأقارب، والأصدقاء.

  فقد قال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: كان المسلمون في صدر الإسلام حين أمروا بالنصيحة، ونهوا عن الخيانة، وأنزل عليهم: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [البقرة: 188]. أي: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق- أدقوا النظر، وأفرطوا في التوقي، وترك بعضهم مؤاكلة بعض: فكان الأعمى لا يؤاكل الناس؛ لأنه لا يبصر الطعام، فيخاف أن يستأثر، ولا يؤاكله الناس يخافون لضرره أن يقصر. وكان الأعرج يتوقى ذلك؛ لأنه يحتاج لزمانته إلى أن يتفسح في مجلسه، ويأخذ أكثر من موضعه، ويخاف الناس أن يسبقوه لضعفه. وكان المريض يخاف أن يفسد على الناس طعامهم بأمور قد تعتري مع المرض: من رائحة تتغير، أو جرح يبض، أو أنف يذن، أو بول يسلس، وأشباه ذلك. فأنزل الله تبارك وتعالى: ليس على هؤلاء جناح في مؤاكلة الناس، وهو معنى قول ابن عباس في رواية أبي صالح.

  وأما عائشة رضي الله عنها، فإنها قالت: كان المسلمون يوعبون مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في المغازي، ويدفعون مفاتيحهم إلى الضمنى، وهم الزمنى، ويقولون لهم: قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في منازلنا. فكانوا يتوقون أن يأكلوا من منازلهم حتى نزلت هذه الآية. وإلى هذا يذهب قوم، منهم الزهري. ثم قال الله عز وجل: ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم. أراد: ولا عليكم أنفسكم أن تأكلوا من أموال عيالكم، وأزواجكم. وقال بعضهم: أراد: أن تأكلوا من بيوت أولادكم، فنسب بيوت الأولاد إلى الآباء؛ لأن الأولاد كسبهم، وأموالهم كأموالهم. يدلك على هذا: أن الناس لا يتوقون أن يأكلوا من بيوتهم، وأن الله سبحانه عدد القرابات وهم أبعد نسبا من الولد، ولم يذكر الولد. وقال المفسرون في قوله تعالى: تبت يدا أبي لهب وتب (1) ما أغنى عنه ماله وما كسب (2) [المسد: 1، 2] . أراد: ما أغنى عنه ماله وولده، فجعل الولد كسبا. ثم قال: أو بيوت آبائكم، أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم يريد إخوتكم، أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه، يعني العبيد؛ لأن السيد يملك منزل عبده. هذا على تأويل ابن عباس.

وقال غيره: أو ما خزنتموه لغيركم. يريد الزمنى الذين كانوا يخزنون للغزاة، أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا من منازل هؤلاء إذا دخلتموها، وإن لم يحضروا ولم يعلموا، من غير أن تتزودوا وتحملوا، ولا جناح عليكم أن تأكلوا جميعا أو فرادى، وإن اختلفتم: فكان فيكم الزهيد، والرغيب، والصحيح، والعليل. وهذا من رخصته للقرابات وذوي الأواصر- كرخصته في الغرباء والأباعد لمن دخل حائطا وهو جائع: أن يصيب من ثمره، أو مر في سفر بغنم وهو عطشان: أن يشرب من رسلها، وكما أوجب للمسافر على من مر به الضيافة، توسعة منه ولطفا بعباده، ورغبة بهم عن دناءة الأخلاق، وضيق النظر. اهـ.

 والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات