السؤال
حكم المالكية في الإفطار بسبب التفكير.
ساعدوني رجاء.
أنا فتاة عمري 23 سنة، وأعلم أن الاستمناء في رمضان يبطل الصوم، إلا أنني في يوم من رمضان عندما استيقظت من النوم، شرعت أفكر في رجل، كنت أريد الزواج به، لكن تلك الأفكار التي كانت تراودني بخصوصه، لم تكن تصورات محرمة (جنسية) إلا أنني حساسة، فأنزل فقط بمجرد التفكير في رجل أحبه. عندما كنت أفكر، كنت أظن أن الإنزال بطريقة التفكير لا يبطل الصوم، لكنني لم أكن متأكدة، فذهبت للاطلاع على شبكة الإنترنت، فرأيت أن هذا يفطر عند المالكية، وهو المذهب الذي يتبع في بلدي. فندمت ندما شديدا، وصليت ركعتين لكي أتوب إلى الرحمن عز وجل، وقررت أن أصوم شهرين متتابعين، إلا أن الأمر صعب بسبب الأسئلة التي سوف يطرحها علي والدي.
فرأيت بعد ذلك أن إماما من المالكية، يرى أنه يجب فقط قضاء ذلك اليوم دون الكفارة.
فهل يجوز لي اتباعه؟ وهل يعتبر اتباعه احتيالا؟ وإن كان كذلك هل يجوز لي انتظار فصل الشتاء لصوم الشهرين المتتابعين؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر لنا أن ما ينزل منك في مثل هذه الحالة، هو المذي، وليس المني؛ لأنه (المذي) هو الذي ينزل غالبا عند اللذة الحاصلة من التفكر.
وسواء كان منيا، أو مذيا، فكان الواجب عليك الابتعاد عن مثل هذه الأفكار، وخصوصا في نهار رمضان.
أما وقد حصل ما حصل - إذا اعتبرنا النازل منيا - فالذي نص عليه المالكية أن من واصل التفكر فيما يشتهى، وهو صائم، حتى أنزل، فعليه القضاء، والكفارة، وقال البعض إن لم يواصل الفكر، فعليه القضاء فقط دون الكفارة.
جاء في مواهب الجليل للحطاب المالكي: وقال الشيخ زروق في شرح الإرشاد في قوله: والقبلة، والملاعبة: وما ذكره من كراهة القبلة وما في معناها، هو المشهور، إن علمت السلامة من المني، والمذي، والإنعاظ. وإن علم نفيها، أو اختلف حاله، حرمت، وكذا إن شك، على الأرجح من قولين حكاهما ابن بشير بالكراهة، والتحريم، ولا قضاء في مجردها. فإن أنعظ، أو أمذى، قضى على المشهور، وإن أمنى قضى، وكفر على المشهور. انتهى.
وفي منح الجليل لمحمد عليش المالكي: ابن رشد: تحصيل القول في هذه المسألة: أنه إن نظر، أو تذكر قاصدا التلذذ به، أو لمس، أو قبل، أو باشر فسلم، فلا شيء عليه، وإن أنعظ ولم يمذ، ففيه ثلاثة أقوال، أحدها: عليه القضاء. والثاني: لا شيء عليه. والثالث: الفرق بين المباشرة، ففيها القضاء، وما دونها لا قضاء فيه. وإن أمذى فعليه القضاء، إلا أن يحصل عن نظر، أو فكر بلا قصد، ولا متابعة فقولان: أظهرهما لا قضاء عليه، وإن أنزل فثلاثة أقوال، قول مالك -رضي الله تعالى عنه -فيها عليه القضاء، والكفارة مطلقا. وأصحها قول أشهب: لا كفارة عليه، إلا أن يتابع حتى ينزل. وثالثها: الفرق بين اللمس، والقبلة والمباشرة، فيكفر مطلقا، والنظر والتفكر لا كفارة عليه فيهما، إلا أن يتابع حتى ينزل، وهذا ظاهر قول ابن القاسم فيها. انتهى.
وبناء على ما سبق، فمن واصل التفكير حتى أنزل، فقد وجب عليه القضاء والكفارة، وإن لم يواصل التفكير، فعليه القضاء فقط عند بعض المالكية، وهو قول يسوغ تقليده، ولا حرج، بل إن ابن رشد وهو جادة المذهب قال عنه: وهو أصحها.
ثم اعلمي أن الكفارة هنا على التخيير عند المالكية بين ثلاثة أمور، وهي: إطعام ستين مسكينا، أو عتق رقبة، أو صوم شهرين.
جاء في شرح الخرشي المالكي: والمعنى: أن كفارة الفطر في رمضان على التخيير، فإن شاء ملك ستين مسكينا، والمراد به ما يشمل الفقير، لكل واحد مد، بمده -عليه الصلاة والسلام -فلا يجزئ غداء، وعشاء، خلافا لأشهب. وإن شاء أعتق رقبة مؤمنة، بشرط كمالها، وتحريرها للكفارة، وسلامتها من عيوب لا تجزئ معها، وإن شاء صام شهرين متتابعين، وأن ينوي بهما الكفارة، لكن أفضل هذه الأنواع الإطعام؛ لأنه أشد نفعا لتعديه، والذي يظهر أن العتق أفضل من الصوم؛ لأنه متعد للغير، وقيل الصوم أفضل. انتهى.
وتراجع الفتوى رقم: 56051.
والله أعلم.