لا يحرم صنع الأجهزة بسبب احتمال استعمالها في الحرام

0 147

السؤال

مشايخنا الأفاضل،‎ ‎في البدء أشكركم على إتاحة ‏الفرصة لنا للسؤال، والحصول على الجواب من ‏خلال موقعكم. فجزاكم الله خيرا.‏
‏ أنا طالب في طريقي للالتحاق بالجامعة، وأود ‏الالتحاق بكلية الهندسة، ولكن عندي إشكالية أود ‏طرحها على فضيلتكم بعد إذنكم.‏
من المعلوم أن بيئة عمل مهندس الإلكترونيات ‏تكون بين الأجهزة، والحواسيب، وما إلى ذلك، ‏ولكن الإشكالية في أنه-و للأسف- كثير من ‏الناس يستخدمون هذه التقنيات في أغراض تنافي ‏شريعتنا، فمثلا قد يعمل المهندس في شركات ‏صناعة حواسيب، ولا يخفى عليكم الاستخدام ‏السيئ لها الذي انتشر؛ وقد يعمل في صناعة ‏معالجات للحواسيب، أو أجزاء أخرى إلكترونية ‏قد تستخدم في الحواسيب، وإن لم يكن الغرض ‏من صناعتها ذلك؛ وقد يطور خدمات جديدة ‏للإنترنت، أو قد يطور خدمات جديدة للأقمار ‏الاصطناعية، قد تستخدم في أقمار القنوات ‏الفضائية، وإن لم يكن الغرض من صناعتها ‏ذلك؛ وقد يقوم بتطوير تقنيات قد يستخدمها ‏الكفار، وخاصة الغرب منهم ضد المسلمين، وإن ‏لم يكن الغرض من صناعتها ذلك أيضا؛ وقد ‏يعمل في شركات الهواتف المحمولة، أو توصيل ‏الإنترنت، أو قد يعمل في شركات توصيل ‏كهرباء، ومن المعلوم أن الكهرباء سيستخدمها ‏الكثير في تشغيل الدش، والتلفزيون؛ وقد يعمل ‏في شركات برمجيات، تقوم بإنشاء برامج قد تعين ‏على تشغيل الصوتيات، وعرض الصور، وإن لم ‏يكن الغرض الأساسي من تصميمها ذلك، إلى ‏آخر ذلك من الأمور.‏
‏ وقد يعمل معلما في الجامعات، والمعاهد، فيدرس ‏للطلاب، وهؤلاء الطلاب قد يعملون في مجالات ‏مختلفة منها صناعة التلفزيونات مثلا، وقد ‏يدرس لطلاب أجانب كفار، وقد يشرف على ‏مشاريع تخدم إحدى المجالات السابقة، أو تخدم ‏مجالات مثل التلفزيون، والدش، أو قد يعمل في ‏مراكز وجامعات، ومعاهد أجنبية في بلاد الكفر.‏
فما حكم الالتحاق بكلية الهندسة في ظل هذه ‏الظروف؟
رغبتي تتمثل في أنني لا أريد أن أعين على ‏منكر، أو أن يكون مصدر دخلي فيه من الحرام ‏الشيء الكثير، مع العلم بأني قد اطلعت على ‏بعض فتاواكم التي تخص صيانة أجهزة ‏الحاسب، مع العلم أيضا أنني على يقين جازم ‏بأن أي شيء سيقوم المهندس بصناعته، ستكون ‏هناك جماعة من الناس تستخدمه استخداما منافيا ‏لشريعتنا، مع العلم أنه مهما تحرى المهندس، ‏فإنه من الصعب ألا يصطدم بمجالات شبيهة ‏بالسابق ذكرها، وإن لم يكن غرضه العمل في ‏تلك المجالات.‏
أود منكم، بل وأرجو منكم أن تفصلوا لي ‏الجواب، وخاصة في موضوع التدريس في ‏المعاهد، والجامعات حتى لا يعرض لي أمر في ‏مستقبلي يتسبب لي في ضيق، وحرج، ووسوسة ‏لا قدر الله.‏
أشكركم شكرا جزيلا على اطلاعكم على سؤالي، ‏راجيا ألا أكون قد أطلت عليكم.‏

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

‏ فنسأل الله عز وجل أن يزيدك هدى، وحرصا ‏على التجافي عن المحرمات، واعلم أن ما ‏ذكرته من احتمال استعمال هذه الأجهزة في ‏المحرم، لا يوجب تحريم صناعتها، وصيانتها، ‏وتعلم ذلك وتعليمه.‏
فمثل هذه الاحتمالات من الذرائع البعيدة التي لم ‏يأت الشرع بسدها، ولو قيل بسدها لأدى ‏ذلك إلى تحريم مباحات كثيرة جدا، لاحتمال ‏إفضائها إلى المحرم.

  قال القرافي: وليس سد ‏الذرائع من خواص مذهب مالك، كما يتوهمه ‏كثير من المالكية، بل الذرائع ثلاثة أقسام:

 قسم ‏أجمعت الأمة على سده، ومنعه، وحسمه كحفر ‏الآبار في طرق المسلمين؛ فإنه وسيلة إلى ‏إهلاكهم، وكذلك إلقاء السم في أطعمتهم، وسب ‏الأصنام عند من يعلم من حاله أنه يسب الله ‏تعالى عند سبها.

وقسم أجمعت الأمة على عدم ‏منعه، وأنه ذريعة لا تسد، ووسيلة لا تحسم ‏كالمنع من زراعة العنب خشية الخمر؛ فإنه لم ‏يقل به أحد، وكالمنع من المجاورة في البيوت ‏خشية الزنا.

وقسم اختلف فيه العلماء هل يسد ‏أم لا؟ اهـ من الفروق.‏
ومن القواعد المقررة في الشرع أن الأصل في ‏جميع الأشياء هو الإباحة، حتى يتبين موجب ‏التحريم.

  قال ابن تيمية: لست أعلم خلاف أحد ‏من العلماء السالفين، في أن ما لم يجئ دليل ‏بتحريمه، فهو مطلق، غير محجور. وقد نص ‏على ذلك كثير ممن تكلم في أصول الفقه ‏وفروعه، وأحسب بعضهم ذكر في ذلك الإجماع ‏يقينا، أو ظنا كاليقين. اهـ.

ومن فقه هذا الأصل، ‏دفع عن قلبه كثيرا من الوساوس والاحتمالات.‏
فالحاصل أنه لا حرج عليك في الالتحاق بكلية ‏الهندسة.‏
وراجع لمعرفة ضابط الإعانة المحرمة الفتوى رقم: 238762 ، والفتوى رقم: 65324 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى