السؤال
هناك جدل بين بعض الإخوة عن المحرم هل هو ما نهى عنه الشرع نهيا جازما، أم هو ما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فلا يقبل العقل مثلا تحريم السفر إلى أستراليا لعدم سفر رسول صلى الله عليه وسلم إليها؟ فهل كل ما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم حرام؟ أم يجب النظر في المنهج لإصدار الحكم بالتحليل والتحريم عملا بقوله تعالى: لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا؟.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحرام ما نهى الشارع عنه نهيا جازما، جاء في غاية البيان لشهاب الدين الرملي: والطلب إما طلب فعل أو ترك، وكل منهما إما جازم أو غير جازم، فطلب الفعل الجازم الإيجاب، وغير الجازم الندب، وطلب الترك الجازم التحريم، وغير الجازم الكراهة. انتهى.
أما من قال إن الحرام كل ما لم يفعله رسول الله عليه وسلم, فهذا كلام خاطئ, فكون النبي صلى الله عليه لم يفعل شيئا معينا من سفر, أو إقامة, أو أكل, أو شرب, أو نحو ذلك, فهذا لا يدل على تحريمه, بل هو باق على أصله, وهو الإباحة إذا لم يرد دليل شرعي على تحريمه, جاء في تحفة الأحوذي للمباركفوري: الحلال ما أحل الله أي بين تحليله في كتابه، والحرام ما حرم الله أي بين تحريمه في كتابه، يعني إما مبينا وإما مجملا بقوله: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ـ لئلا يشكل بكثير من الأشياء التي صح تحريمها بالحديث، وليس بصريح في الكتاب، قال الشوكاني في النيل المراد: من هذه العبارة وأمثالها مما يدل على حصر التحليل والتحريم على الكتاب العزيز هو باعتبار اشتماله على جميع الأحكام ولو بطريق العموم أو الإشارة أو باعتبار الأغلب، لحديث: إني أوتيت القرآن ومثله معه ـ وهو حديث صحيح ـ وما سكت أي الكتاب عنه أي عن بيانه، أو وما أعرض الله عن بيان تحريمه وتحليله رحمة من غير نسيان، فهو مما عفا عنه أي عن استعماله وأباح في أكله، وفيه أن الأصل في الأشياء الإباحة، ويؤيده قوله تعالى: هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا. انتهى.
مع التنبيه على أن الإنسان لا يجوز له أن يتكلم في شرع الله تعالى بغير علم, لقوله تعالى: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم {النحل: 116ـ 117}.
والله أعلم.