لا يصلح كل أحد لمناقشة الملحدين

0 394

السؤال

لا أعرف كيف أبدأ السؤال، فهناك شك عظيم يملأ ‏قلبي، ولا أعرف كيف أنهيه، أو أجد ‏الإجابة منذ فترة.
وقد بدأت متابعة ‏بعض الحوارات عن الإلحاد ‏وأنواعه، وأفكار المؤمنين فيه، ‏ولكن بالنسبة لي لم يطمئن لها قلبي؛ ‏فإن التفسير الذي يقول كل ما نحن ‏فيه هو من وحي الصدفة، هزل. ‏ولكن المشكلة أني مؤمن بوجود قوة ‏عظيمة، أوجدت ما نحن فيه، ‏ووضعت نظاما لما هو موجود. ‏ولكن السؤال التالي: ما هي هذه ‏القوة؟ وماذا تريد منا؟ غير معلوم، ‏وأعتقد أن تفسير هذا تدعي جميع ‏الأديان أنها تعرفه، حيث يؤكد الرسل ‏أنهم مبعوثون من عند هذا الخالق، ‏أو القوة العظيمة التي دبرت ما نحن ‏فيه، فهنا يأتي السؤال: ما الدليل ‏على صدق كلامهم، أو صحته؟
ومن ‏هنا يأتي دور المعجزات، ونظرا لأن ‏كل المعجزات لجميع الأديان لحظية، ‏ورآها أهل زمانها، ومكانها، ‏فقد استبعدتها إلا القرآن-على حسب ‏ادعاء المدعين-فهو المعجزة الأبدية، ‏ومن هنا بدأت أبحث عن سبيل لتقييم ‏هذا الكتاب، وما فيه من إعجاز وهل ‏هو معجز أم لا؟
وكان أول معيار كانوا يتحدثون عنه ‏هو: المعيار البلاغي، وكيف أنه ‏أعجز العرب فيما هم فيه بارعون، ‏ولكن هذا المعيار سقط من أمامي؛ ‏نظرا لأننا نتحدث لغة أقرب إلى ‏العجمية، ولا أستطيع إدراكه، فما بالك ‏بالناس الذين لغتهم الأم ليست ‏العربية، وأنا لا أحب البلاغيات، ‏واللغويات، وأراها مضيعة للوقت من ‏أساسه، فرأيت أن هذا الباب مغلق، ‏فبدأت باب الإعجاز العلمي، وقرأت ‏عن بعض الآيات، وتوضيح مدى ‏الإعجاز فيها، ووجدت أنها مليئة ‏بالهزل، ولي أعناق الكلام لمطابقة ‏المعنى المطلوب.
وهناك قصة ‏استوقفتني، الآية: (والأرض ‏مددناها) تفسير هذه الآية في خواطر ‏الشعراوي، وقد أوضح الإعجاز فيها، ‏حيث كيف علم الرسول صلى الله ‏عليه وسلم أن الأرض ممتدة من كل ‏اتجاه، ولا يوجد فيها جرف في ‏النهاية، على الرغم من تفسير شيخ ‏سعودي شهير -ابن باز-لها بأن ‏الأرض ممتدة، ورفض أن الأرض ‏كروية. ومن هنا تجد التناقضات، ‏ومن الأساس القرآن كلماته غير ‏واضحة المقصد، وما يحدث هو ‏استخدام الكلمات حسب الفهم، ‏والإدراك.
وكانت هناك آية أخرى: ‏‏{فرأيتم الماء الذي تشربون، أأنتم ‏أنزلتموه من المزن أم نحن ‏المنزلون) ومن المعروف الآن وجود ‏الأمطار الصناعية، فرفضت هذا ‏المعيار نظرا لضعفه.‏
‏ وأمامي الآن المعيار الأخلاقي، ‏والتربوي، والاجتماعي الموجود في ‏القرآن، ولم أستبعده حتى الآن.
‏فأرجو من سيادتكم مساعدتي في ‏هذا، وتوجيهي لكتب، أو فيديوهات ‏تساعدني في طريقي، مع العلم أني ‏أبحث في هذا الموضوع، وغالبا ما ‏أجد ردودا هجومية تؤكد أني أعلم ‏الحق وأنكره، وصيغا هجومية تنفر ‏الإنسان.‏
‏ ورجاء عدم وضع معيار: هذا ما ‏وجدنا عليه آباءنا، أو معيار أن هذا هوا ‏المعتاد، وأن هذا هو المتفق عليه ‏إلى آخره. ‏

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على ‏رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما ‏بعد: ‏
فمن أراد البحث في مثل هذا ‏الموضوع، لا يسعه أن يتهاون في ‏جمع مقوماته، والصبر على تحصيل ‏مؤهلاته! ومن يرى علوم اللغة ‏مضيعة للوقت، فإنه بعيد عن هذا ‏الوصف!! فإن فهم اللغة هو أصل ‏العلوم كلها، مع اختلاف ‏أنواعها، ولغاتها.
وإنما نشير إلى ذلك لننبه الأخ ‏السائل، على أنه يحتاج إلى صبر ‏ومصابرة، وجهد ومجاهدة، للخروج ‏مما هو فيه من التردد، والحيرة، ‏وتحصيل العلم النافع الذي تسكن إليه ‏النفس، ويطمئن له القلب؛ فإن ‏مسألة الديانة لا تتحمل التجريب ‏والخطأ، ولا يصح فيها الاحتمال، ولا ‏تجدي معها الظنون، والأوهام.
وقد ظهر لنا بجلاء من خلال ‏السؤال، أن بحث السائل عن الحقيقة ‏فيه قصور واضح. ولا نقول ذلك سبا، أو ‏انتقاصا، وإنما نقوله للتنبيه ‏والإيقاظ!

 ولبيان ذلك نقول: إذا ‏غضضنا الطرف عن الطريقة التي ‏اتبعها السائل للوصول إلى الحق، ‏وسلمنا له طريقة تفكيره، التي ‏جعلته يبتدئ من باب الإعجاز العلمي ‏في القرآن المجيد، وأنه وجده مليئا ‏بالهزل، ولي أعناق الكلام لمطابقة ‏المعنى المطلوب!

  فهذا وإن كان وقع ‏فيه بعض من تكلم في هذا الباب، ‏مما حفز الباحثين إلى وضع ضوابط، ‏وقواعد لتناول موضوع الإعجاز، ‏ومن ذلك على سبيل المثال: كتاب ‏‏(الإعجاز العلمي إلى أين؟ مقالات ‏تقويمية للإعجاز العلمي) للدكتور ‏مساعد الطيار. و(قواعد تناول ‏الإعجاز العلمي، والطبي في السنة ‏وضوابطه) للدكتور عبد الله المصلح. ‏و(تقويم الأعمال التي تناولت ‏الإعجاز العلمي، والطبي في السنة ‏النبوية) للشيخ أحمد أبو الوفا.
إلا إن هذا لا ينفي وجود آيات بينات، ‏هاديات في هذا الباب، ليس في ‏تناولها هزل، ولا مبالغة، كالآيات ‏التي تتناول وصف مراحل تكوين ‏الجنين، ونشوء السحاب، وكيفية ‏تكوين المطر، وغير ذلك. وراجع ‏كتاب: (مباحث في إعجاز القرآن) ‏للدكتور مصطفى مسلم. ومؤلفات الدكتور زغلول النجار في الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
وأما قوله تعالى: {والأرض مددناها ‏وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من ‏كل شيء موزون} [الحجر: 19]. ‏وقوله سبحانه: {والأرض مددناها ‏وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من ‏كل زوج بهيج} [ق: 7]. فعلاقته ‏بإثبات كروية الأرض، واضحة.
وأما ما نسبه السائل للشيخ ابن باز ‏فكذب مفترى، وقد ردده بعض ‏الكتاب عنه، وكتب الشيخ مقالا في ‏جوابه، فقال في بدايته: وجوابي عن ‏ذلك، أن أقول: (سبحانك هذا بهتان ‏عظيم) لقد نشر المقال الذي أشار ‏إليه الكاتب في جميع الصحف ‏المحلية في رمضان 1385 واطلع ‏عليه القراء في الداخل، والخارج، ‏وليس فيه ذكر كروية الأرض بنفي، ‏ولا إثبات، فضلا عن إهدار دم من ‏قال بها، وقد وقع فيما نقلته في ‏المقال من كلام العلامة ابن القيم - ‏رحمه الله - ما يدل على إثبات كروية ‏الأرض. فكيف جاز لأحمد بهاء ‏الدين، أو من نقل إليه هذا النبأ، أن ‏يقدم على هذا البهتان الصريح، ‏وينسبه إلى مقال قد نشر في العالم، ‏وقرأه الناس، سبحان الله ما أعظم ‏جرأة هذا المفتري، ولكن ليس ‏بغريب أن يصدر مثل هذا الافتراء ‏عن أنصار الإلحاد، والمذاهب ‏الهدامة؛ فقد قال الله عز وجل: {إنما ‏يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات ‏الله وأولئك هم الكاذبون} وصح عن ‏رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ‏قال: آية المنافق ثلاث: إذا حدث ‏كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن ‏خان .... اهـ. ‏
وراجع في ذكر إجماع المعتبرين من ‏أهل العلم على كروية الأرض، ‏وتخطئة من خالف ذلك، الفتوى رقم: ‏‏131655.
وأما قول الله تعالى: {أفرأيتم الماء ‏الذي تشربون. أأنتم أنزلتموه من ‏المزن أم نحن المنزلون. لو نشاء ‏جعلناه أجاجا فلولا تشكرون} ‏‏[الواقعة: 68 -70]. ففيه كذلك أوجه ‏بينة للإعجاز، يضيق المقام عن ذكرها، وقد غفل عنها السائل.
وليس في هذه الآيات ما يتعارض ‏مع المحاولات البشرية الدؤوبة ‏لاستدرار المطر وزيادته؛ لأن هذا ‏الجهد برمته لا يتوجه لإنتاج المزن ‏نفسها، وإنما لاستدرار المطر من ‏المزن التي خلقها الله تعالى، ثم قد ‏يفلح هذا الجهد، وتزداد نسبة ‏المطر، وقد لا يفلح، وإلى الآن لم ‏يثبت نجاحه، لا على المستوى ‏التقني، ولا على المستوى النظري! ‏على أن الماء النازل بهذه التقنية، لا ‏يخلو من مواد ضارة، فيبقى الامتنان ‏ظاهرا في قوله تعالى: {لو نشاء ‏جعلناه أجاجا فلولا تشكرون}.‏
‏ وقد نقل الشيخ عبد المجيد الزنداني ‏عن الدكتور محمد جمال الدين الفندي- ‏أستاذ الفلك، والطبيعة الجوية بكلية ‏العلوم بجامعة القاهرةـ قوله: إن ‏الظروف الطبيعة التي تؤدي إلى ‏تكوين المزن- السحاب- ونزول ‏المطر، لا يمكن أن يصنعها البشر، ‏بل وحتى لا سبيل إلى التحكم فيها، ‏ولا يزال موضوع " المطر الصناعي ‏‏" - ليس مطرا صناعيا؛ لأن المطر ‏لا يصنعه الإنسان في المعمل، وإنما ‏هو مطر يستحث الإنسان نزوله- ‏واستمطار السحب العابرة، مجرد ‏تجارب، لم يثبت نجاحها بعد، وحتى ‏إذا ما تم نجاحها، فإن من اللازم أن ‏توفر الطبيعة الظروف الملائمة ‏للمطر الطبيعي حتى يمكن استمطار ‏السماء صناعيا، أي: إن واجب ‏علماء الطبيعة الجوية، لا يتعدى قدح ‏الزناد فقط. اهـ.
وهناك مقال مهم، ومفيد يحتاج إليه ‏السائل، وهو للأكاديمي البيئي أسعد ‏سراج أبو رزيزة بعنوان: ‏‏(الاستمطار.. أهو عبث بعناصر ‏البيئة؟) فننصحه بالرجوع إليه.

وقد سبق لنا ذكر بعض الكتب في ‏الرد على شبهات الإلحاد، وذلك في ‏الفتويين: 203740، 114450. كما ‏سبق لنا ذكر بعض الأدلة على أن ‏القرآن كلام الله تعالى، ورسالته إلى ‏خلقه، فراجع الفتويين: 19694، ‏‏173259.‏
وأخيرا فإننا ننصح السائل بأن ينأى ‏بنفسه عن التعرض للشبهات، وأن ‏يجتهد في طلب العلم النافع، وينشغل ‏بالعمل الصالح.‏
والله أعلم.‏

مواد ذات صلة

الفتاوى