السؤال
أعاني من الغيرة الشديدة التي يصاحبها الحسد الشديد، وكلما رأيت أحدا أنعم الله عليه وأكرمه كرما شديدا بأن أخرجه من الفقر إلى الغنى والرفاهية والسفر والرغد، فإنني أشعر بأن هذا الشخص لطالما كان صالحا، ولطالماعبد الله تعالى، ولطالما لم يقم بإيذاء الناس، ولهذا أشعر أن الله أكرمه، ولكن في نفس الوقت أنظر إلى نفسي وأقول إنني لن أحصل على هذا الكرم مطلقا، لأنني لا أصلي ولا أعبد الله وعاقة وأفعل الكثير من المعاصي بالليل والنهار، وأشعر أن بيني وبين ربي حاجزا منيعا، فكيف أتخلص من هذه الحالة؟ وكيف أتخلص من هذا التفكير؟ ولماذا يحصل هذا معي؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب عليك أن تتوب فورا من المعاصي جملة، لا سيما ترك الصلاة والعقوق، فإن عواقبهما وخيمة، وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 211186، 6061، 158729.
ويجب عليك كذلك أن تصفي توبتك وتنقيها من العلل القادحة، فيجب أن يكون غرضك من التوبة هو إرضاء الله عز وجل والتقرب إليه، لا الحصول على متاع الحياة الدنيا الزائلة، وانظر الفتويين رقم: 141535، ورقم: 246757.
واعلم أن بسط متاع الحياة الدنيا أو تضييقه لا يصلح بمفرده دليلا على رضا الله عن العبد وقربه منه، وإنما العبرة بالاستقامة على دين الله عز وجل، ومع ذلك فلا شك أن للمعاصي آثارا عظيمة في تضييق الرزق وحرمان النعم، وانظر الفتويين رقم: 110691، ورقم: 132579. وبسط النعم قد يكون للابتلاء، فإنه يكون بالسراء كما يكون بالضراء.
وأما أسباب شعورك بالحسد: فقد جاء في بريقة محمودية: أسباب الحسد ستة:
أولها: تعزز.
ثانيها: تكبر.
ثالثها: خوف فوت المقصود.
رابعها: حب الرياسة.
خامسها: خبث النفس.
سادسها: الحقد.
وقال الغزالي في الإحياء: فإنه مما يكره النعمة على غيره، إما لأنه عدوه، فلا يريد له الخير، وهذا لا يختص بالأمثال، بل يحسد الخسيس الملك، بمعنى أنه يحب زوال نعمته لكونه مبغضا له بسبب إساءته إليه أو إلى من يحبه، وإما أن يكون من حيث يعلم أنه يستكبر بالنعمة عليه وهو لا يطيق احتمال كبره وتفاخره لعزة نفسه، وهو المراد بالتعزز، وإما أن يكون في طبعه أن يتكبر على المحسود ويمتنع ذلك عليه لنعمته، وهو المراد بالتكبر، وإما أن تكون النعمة عظيمة والمنصب عظيم فيتعجب من فوز مثله بمثل تلك النعمة، وهو المراد بالتعجب، وإما أن يخاف من فوات مقاصده بسبب نعمته بأن يتوصل بها إلى مزاحمته في أغراضه، وإما أن يكون يحب الرياسة التي تنبني على الاختصاص بنعمة لا يساوي فيها، وإما أن لا يكون بسبب من هذه الأسباب، بل لخبث النفس وشحها بالخير لعباد الله تعالى.
ثم شرح ـ رحمه الله ـ هذه الأسباب، فراجع كلامه إن شئت.
وعلاج الحسد، تارة بالرضى بالقضاء، وتارة بالزهد في الدنيا، وتارة بالنظر فيما يتعلق بتلك النعم من هموم الدنيا وحساب الآخرة، فيتسلى بذلك ولا يعمل بمقتضى ما في النفس أصلا، ولا ينطق، فإذا فعل ذلك لم يضره ما وضع في جبلته. مختصر منهاج القاصدين.
وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 5557، 7253، 1641.
وأما بخصوص شعورك بحاجز منيع بينك وبين ربك فلعله من شؤم الذنوب والمعاصي، فإنها تورث وحشة في القلب، وقد سبق الكلام عن تلك الوحشة وعلاجها في الفتاوى التالية أرقامها:31870 ، 29853، 199535 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.