السؤال
السلام عليكم تحية طيبة وبعد : رجل تزوج قبل 3 سنوات وبعد شهر من الزواج سافرإلى أمريكا اللاتينية وانقطعت أخباره طول هذه المدة ويئس الأهل من رجوعه ومن المتوقع أنه مات ولكن الشيء الذي حدث أن أخ المفقود قد تزوج امرأة المفقود فهل يصح في الإسلام مثل هذا الزواج ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا غاب الرجل من امرأته لم يخل من حالين :
أحدهما : أن تكون غيبته غيبة غير منقطعة ، يعرف خبره ، ويمكن الاتصال به ، فهذا ليس لامرأته أن تتزوج بإجماع أهل العلم ، إلا أن يتعذر الإنفاق عليها من ماله فلها أن تطلب من القاضي فسخ النكاح ، فيفسخ نكاحه.
الحال الثاني : أن يفقد وينقطع خبره ، ولا يعلم له موضع ، فهل لزوجته أن تتزوج من غيره ؟ اختلف أهل العلم في ذلك على أقوال:
1 - مذهب الحنفية والشافعية وهو القول الجديد للشافعي :
أن امرأة المفقود لا تتزوج حتى يتبين موته أو فراقه لها ، وحجتهم من ذلك ما روى المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "امرأة المفقود امرأته حتى يأتي زوجها ".
وروى الحاكم وحماد عن علي : " لا تتزوج امرأة المفقود حتى يأتي موته أو طلاقه ".
2 - مذهب الحنابلة : والمعتمد عندهم التفصيل في غيبته :
أ - فإن كانت غيبته ظاهرها الهلاك كالذي يفقد بين أهله ليلا أو نهارا ، أو يخرج إلى الصلاة فلا يرجع أو يمضي إلى مكان قريب ليقضي حاجته ويرجع ، فلا يظهر له خبر ، أو يفقد بين الصفين في القتال ، أو ينكسر بهم مركب بحري فيغرق بعض رفقته ، أو يفقد في مهلكة كبرية موحشة ، فتتربص زوجته أربع سنين ، ثم تعتد عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا ، وتحل بعدها للأزواج ، ولا يتوقف ذلك على حكم حاكم ولا إلى طلاق ولي زوجها ، بل متى مضت المدة والعدة حلت للأزواج .
ولهم تفصيل فيما إذا عاد الزوج المفقود .
ومستندهم في ذلك ما روي عن عمر رضي الله عنه ، أنه جاءته امرأة فقد زوجها ، فقال: تربصي أربع سنين ، ففعلت ، ثم أتته فقال : تربصي أربعة أشهر وعشرا ، ففعلت ، ثم أتته فقال : أين ولي هذا الرجل؟ فجاؤوا به ، فقال: طلقها ، ففعل ، فقال عمر: تزوجي من شئت . رواه الأثرم والجوزجاني والدارقطني .
ويروى هذا أيضا عن عثمان وعلي وابن عباس وابن الزبير . قال أحمد : خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو القول القديم للشافعي .
ب : وإن كانت غيبته ظاهرها السلامة كسفر التجارة في غير مهلكة ، والسفر لطلب العلم أو للسياحة ، فالمذهب أنها تتربص تسعين عاما من يوم ولد ، ثم تعتد ، ثم تحل للأزواج.
3 - مذهب المالكية : والمفقود عندهم إما أن يكون مفقودا :
1 - في دار الإسلام
2 - أو في بلاد الكفر
3 - أو بين الصفين في قتال بين المسلمين
4 - أو بين الصفين في قتال بين المسلمين والكفار
فالمفقود في بلاد الإسلام يؤجل له أربع سنين بعد البحث عنه والعجز عن خبره ، ثم تعتد زوجته .
والمفقود بأرض الشرك كالأسير، وحكمهما أن تبقى زوجتاهما لانتهاء مدة التعمير وهي سبعون سنة على الراجح .
والمفقود في الفتن بين المسلمين تعتد زوجته بعد انفصال الصفين.
والمفقود في القتال بين المسلمين والكفار يؤجل سنة بعد النظر والكشف عنه ثم تعتد زوجته .
وقالوا :
إن زوجة المفقود في بلاد الكفر تبقى إلى التعمير وهو بلوغ زوجها سبعين سنة بشرط دوام النفقة ، فإن لم تجد نفقة فلها طلب الطلاق ، وكذا لو خشيت الزنا .
وبعد العرض لأقوال المذاهب المتبعة ، فالحاصل أن زواج المرأة قبل مضي أربع سنين - على فرض أن غيبة الزوج ظاهرها الهلاك - لا يصح ، ويجب فسخ هذا النكاح عند الحنابلة ، وكذلك عند المالكية ، فيما إذا كان فقده في بلاد الإسلام .
ولهذا نقول : ما أقدمت عليه المرأة من الزواج بأخي زوجها بعد ثلاث سنوات منكر ظاهر ، ويلزمها فسخ هذا النكاح ، والرجوع في ذلك إلى المحكمة الشرعية في بلدهما .
والله أعلم .