السؤال
متى يكون التشبه بالكفار كفرا؟ لأني قرأت على موقعكم أنه لا يكون إلا عند التشبه بهم في نفس الكفر، وأنا لا أدري ما معنى: "نفس الكفر"؟ وما حكم الاستعانة ببعض الأفعال (الرياضات مثلا) والأقوال (مثل الحكم، والدورات التدريبية) وأغاني الأطفال التي منشؤها منهم؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فليس مجرد التشبه بالكفار كفرا ناقلا عن الملة، وإنما يكون الكفر بالتشبه بهم في أعمال الشرك، أو فيما يختصون به من عاداتهم، وزيهم، بحيث يظن من رآه أن صاحبه منهم، ولا بد أن يكون الشخص فعل تلك العادات، أو لبس ذلك الزي ميلا إليهم، وحبا لهم، فمن فعل ذلك فقد كفر-والعياذ بالله، ومن فعله لعبا فقط، أو لا لشيء دون أن يكون محبا لأهله، ولا مائلا إليهم، فقد عصى الله ورسوله ولم يقع في الكفر.
قال خليل بن إسحاق المالكي: الردة كفر المسلم بصريح، أو لفظ يقتضيه، أو فعل يتضمنه كإلقاء مصحف بقذر، وشد زنار. اهـ.
قال الدردير: والمراد به ملبوس الكافر الخاص به، أي إذا فعله حبا فيه، وميلا لأهله، وأما إن لبسه لعبا، فحرام وليس بكفر. اهـ.
وسئل الهيتمي-رحمه الله تعالى-:هل يحل اللعب بالقسي الصغار التي لا تنفع، ولا تقتل صيدا بل أعدت للعب الكفار، وأكل الموز الكثير المطبوخ بالسكر، وإلباس الصبيان الثياب الملونة بالصفرة تبعا لاعتناء الكفرة بهذه في بعض أعيادهم، وإعطاء الأثواب، والمصروف لهم فيه إذا كان بينه وبينهم تعلق من كون أحدهما أجيرا للآخر من قبيل تعظيم النيروز ونحوه، فإن الكفرة صغيرهم، وكبيرهم، وضعيفهم، ورفيعهم حتى ملوكهم يعتنون بهذه القسي الصغار، واللعب بها، وبأكل الموز الكثير المطبوخ بالسكر اعتناء كثيرا، وكذا بإلباس الصبيان الثياب المصفرة، وإعطاء الأثواب، والمصروف لمن يتعلق بهم وليس لهم في ذلك اليوم عبادة صنم، ولا غيره. وذلك إذا كان القمر في سعد الذابح، في برج الأسد وجماعة من المسلمين إذا رأوا أفعالهم يفعلون مثلهم فهل يكفر، أو يأثم المسلم إذا عمل مثل عملهم من غير اعتقاد تعظيم عيدهم، ولا اقتداء بهم أو لا؟
فأجاب - رحمه الله تعالى- بقوله: لا كفر بفعل شيء من ذلك، فقد صرح أصحابنا بأنه لو شد الزنار على وسطه، أو وضع على رأسه قلنسوة المجوس، لم يكفر بمجرد ذلك. اهـ. فعدم كفره بما في السؤال أولى، وهو ظاهر، بل فعل شيئا مما ذكر فيه لا يحرم إذا قصد به التشبيه بالكفار، لا من حيث الكفر وإلا كان كفرا قطعا. فالحاصل أنه إن فعل ذلك بقصد التشبيه بهم في شعار الكفر، كفر قطعا، أو في شعار العيد مع قطع النظر عن الكفر، لم يكفر، ولكنه يأثم. وإن لم يقصد التشبيه بهم أصلا، ورأسا فلا شيء عليه. ثم رأيت بعض أئمتنا المتأخرين ذكر ما يوافق ما ذكرته، فقال: ومن أقبح البدع موافقة المسلمين النصارى في أعيادهم بالتشبه بأكلهم، والهدية لهم، وقبول هديتهم فيه، وأكثر الناس اعتناء بذلك المصريون، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من تشبه بقوم فهو منهم. بل قال ابن الحاج: لا يحل لمسلم أن يبيع نصرانيا شيئا من مصلحة عيده لا لحما، ولا أدما، ولا ثوبا، ولا يعارون شيئا ولو دابة؛ إذ هو معاونة لهم على كفرهم، وعلى ولاة الأمر منع المسلمين من ذلك. ومنها اهتمامهم في النيروز بأكل الهريسة، واستعمال البخور في خميس العيدين سبع مرات، زاعمين أنه يدفع الكسل، والمرض، وصبغ البيض أصفر، وأحمر وبيعه، والأدوية في السبت الذي يسمونه سبت النور، وهو في الحقيقة سبت الظلام، ويشترون فيه الشبث ويقولون إنه للبركة، ويجمعون ورق الشجر ويلقونها ليلة السبت بماء يغتسلون به فيه لزوال السحر، ويكتحلون فيه لزيادة نور أعينهم، ويدهنون فيه بالكبريت، والزيت ويجلسون عرايا في الشمس لدفع الجرب، والحكة، ويطبخون طعام اللبن، ويأكلونه في الحمام إلى غير ذلك من البدع التي اخترعوها، ويجب منعهم من التظاهر بأعيادهم. اهـ.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 3310، 56757، 48765 ، 161147.
والله أعلم.