السؤال
هل يجوز استهداف المساجد لبيع أجهزة معينة كأجهزة الصوتيات مثلا؟ وهل يجوز التسويق لهم مثلا بتوزيع أرقام الاتصال عليهم وعرض خدماتنا لهم؟ أم أنه داخل في أمور الدنيا في بيوت الله وأن ذلك لا يجوز؟ وهل تجوز لي الاستفادة من علاقتي بالإمام أو المؤذن وعرض خدمات مؤسستي الخاصة أو الشركة عليه؟ وهل يمكن أن تكون هذه الأخوة في الله؟ أم هذا يقدح في ذلك وفي الإخلاص؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المساجد ليست محلا لتسويق البضائع ولا للبيع، بل ينبغي تنزيه المسجد عن الكلام في غير ما بني له من الصلاة وذكر الله ونحو ذلك، فيكره البيع فيه عند الجمهور، وقال بعضهم بتحريمه، فقد جاء في موطأ مالك: أن عطاء بن يسار: كان إذا مر عليه بعض من يبيع في المسجد دعاه فسأله ما معك وما تريد؟ فإن أخبره أنه يريد أن يبيعه، قال: عليك بسوق الدنيا، وإنما هذا سوق الآخرة.
وفيه: أن عمر بن الخطاب بنى رحبة من ناحية المسجد تسمى البطحاء، وقال: من كان يريد أن يلغط أو ينشد شعرا أو يرفع صوتا فليخرج إلى هذه الرحبة. انتهى
وروى الترمذي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك......
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار..... رواه الترمذي وأبو داود وغيرهما.
قال الشوكاني ـ رحمه الله ـ في نيل الأوطار: أما البيع والشراء ـ أي في المسجد ـ فذهب جمهور العلماء إلى أن النهي محمول على الكراهة، قال العراقي: وقد أجمع العلماء على أن ما عقد من البيع في المسجد لا يجوز نقضه، وهكذا قال الماوردي، وأنت خبير بأن حمل النهي على الكراهة يحتاج إلى قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي الذي هو التحريم عند القائلين بأن النهي حقيقة في التحريم، وهو الحق، وإجماعهم على عدم جواز النقض وصحة العقد لا منافاة بينه وبين التحريم، فلا يصح جعله قرينة لحمل النهي على الكراهة، وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى أنه لا يكره البيع والشراء في المسجد، والأحاديث ترد عليه، وفرق أصحاب أبي حنيفة بين أن يغلب ذلك ويكثر، فيكره، أو يقل، فلا كراهة، وهو فرق لا دليل عليه. انتهى.
وقال المرداوي في الإنصاف: لا يجوز البيع والشراء للمعتكف في المسجد وغيره على الصحيح من المذهب، نص عليه في رواية حنبل، وجزم به القاضي وابنه أبو الحسين وغيره وصاحب الوسيلة والإيضاح والشرح هنا وابن تميم، وقدمه في الفروع والرعاية الكبرى وغيرهما.
وأما إن كان ذلك خارج المسجد عند الباب فلا حرج فيه، ولا حرج كذلك في الكلام مع الإمام أو المؤذن في هذ الأمور خارج المسجد، ولا منافاة بين ذلك وبين مؤاخاتك لهما في الله، ولا حرج في أن تعطيهم أرقام الاتصال وتعرض عليهم خدماتك خارج المسجد، وأما في داخله فلا يشرع ذلك، لأنه يعتبر من الترويج للأمور الدنيوية، وقد سئل الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ عن حكم وضع بعض الإعلانات في المسجد كالإعلان عن حملة للحج والعمرة، فأجاب بقوله: أما ما كان إعلانا عن طاعة، فلا بأس به، لأن الطاعة مما يقرب إلى الله، والمساجد بنيت لطاعة الله سبحانه وتعالى، وأما ما كان لأمور الدنيا، فإنه لا يجوز، ولكن يعلن عنه على جدار المسجد من الخارج، فالحملات ـ حملات الحج ـ أمر دنيوي، فلا نرى أن نعلن عنها في الداخل. انتهى.
والله أعلم.