أحوال الكلام والمحاسبة عليه، والتوفيق بينه وبين المزاح

0 287

السؤال

أقوم بمراقبة الكلام الذي أقوم ‏بتكلمه، وأصنفه إلى ثلاثة أقسام: ‏تؤجر، لا تؤجر، تأثم. لكي أساعد ‏نفسي قدر المستطاع على عدم ‏الخوض في كلام ينالني إثم به.‏
‏ فهل فعلي جائز؟ أي أنني أقوم بعد ‏حسناتي، وسيئاتي خلال اليوم ‏وتسجيلها، لكي تبقى أمامي، وأحاول ‏مستقبلا زيادة الحسنات، والتقليل ‏من السيئات. ‏
وهل الكلام العادي الذي لا نؤجر ‏عليه نحاسب إذا كان كثيرا؟ ‏
وكيف أستطيع التوفيق بين المزاح ‏وعدم الكذب؟ ‏
وجزاكم الله خيرا.‏

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فلا حرج عليك فيما تفعلينه من ‏محاسبة نفسك على ما تتكلمين به، ‏ومراقبتها، بل هذا مما ينبغي، حتى ‏تعودي لسانك على الكف عن الكلام ‏إلا في الخير، وقد جاء في الحديث ‏الصحيح: من صمت نجا. رواه ‏أحمد، والترمذي.

ولذا كان السلف ‏الصالح يحاسبون أنفسهم، ‏ويحترزون من ألسنتهم، وكلامهم ‏أشد الاحتراز؛ ففي الموطأ عن أسلم ‏أن عمر دخل على أبي بكر الصديق ‏وهو يجبذ لسانه، فقال عمر: مه ‏غفر الله لك، فقال أبو بكر: إن هذا ‏أوردني الموارد.

وروي عن عمر -‏رضي الله عنه- قال: من كثر كلامه ‏كثر سقطه. وعن ابن مسعود قال: ‏أنذركم فضول الكلام، بحسب أحدكم ‏ما بلغ حاجته.

وعن علي -رضي الله ‏عنه- قال: اللسان قوام البدن، فإذا ‏استقام اللسان استقامت الجوارح، ‏وإذا اضطرب اللسان لم تقم له ‏جارحة.

وقال محمد بن واسع -‏رحمه الله-: حفظ اللسان أشد على ‏الناس من حفظ الدينار والدرهم.

ورؤي بعض الأكابر من أهل العلم ‏في النوم فسئل عن حاله فقال: أنا ‏موقوف على كلمة قلتها، قلت: ما ‏أحوج الناس إلى غيث، فقيل لي: ‏وما يدريك أأنت أعلم بمصلحة ‏عبادي مني؟! ‏

وقد نص الفقهاء على أنه ينبغي كف ‏اللسان إلا في الخير.‏
‏ قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى-‏‏: اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ ‏لسانه عن جميع الكلام، إلا كلاما ‏تظهر المصلحة فيه، ومتى استوى ‏الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة ‏الإمساك عنه؛ لأنه قد ينجر الكلام ‏المباح إلى حرام، أو مكروه، بل هذا ‏كثير، أو غالب في العادة، والسلامة ‏لا يعدلها شيء. اهــ.
وأما هل يحاسب الإنسان على الكلام ‏المباح الكثير؟

فالجواب أنه قد اختلف ‏أهل العلم فيما إذا كان يكتب على ‏الإنسان كل شيء يتكلم به، أم أنه لا ‏يكتب إلا ما فيه ثواب، أو عقاب.‏
‏ قال القرطبي في تفسيره: قال أبو ‏الجوزاء، ومجاهد: يكتب على ‏الإنسان كل شيء حتى الأنين في ‏مرضه، وقال عكرمة: لا يكتب إلا ما ‏يؤجر به، أو يؤزر عليه، وقيل: يكتب ‏عليه كل ما يتكلم به، فإذا كان آخر ‏النهار محا عنه ما كان مباحا، نحو: ‏انطلق، اقعد، كل، مما لا يعلق به أجر ‏أو وزر. انتهى.‏
وذكر ابن كثير أن ظاهر الآية ‏العموم.
 

وأما كيف توفق بين المزاح، وعدم ‏الكذب؟

فهذا يكون بأمرين: أولهما ‏أن تلزم الصدق، فلا تمزح إلا ‏بصدق، ولا تقول في مزاحك إلا حقا. ‏وقد روى الطبراني من حديث ابن ‏عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ‏قال: إني لأمزح، ولا أقول إلا حقا.

وثاني الأمرين: أن تقلل من المزاح، ‏فلا تكثر منه؛ إذ إن كثرته مذمومة ‏قد تجر إلى الكذب، وما لا تحمد ‏عقباه.‏
‏ قال الشيخ العثيمين: كثرة المزاح لا ‏خير فيه، وقد قيل: المزح في الكلام ‏كالملح في الطعام، لا يصلح الطعام ‏بدونه، ولا يصلح الطعام إذا زاد ‏الملح، ثم إن من الناس من يتجاوز ‏في المزح، فيذكر من الألفاظ النابية ‏في حق إخوانه ما لا يليق، وربما ‏يصل ذلك إلى أبعد من هذا، فقد ‏يكون منه سخرية بشيء من ‏العبادات، أو بشيء من الدين، وهذا ‏خطير جدا جدا، قد يؤدي إلى الكفر ‏والعياذ بالله... اهـ.‏
‏ وانظري الفتوى رقم: 67495 عن ‏المزاح.. ضوابطه وآدابه.‏
والله أعلم. ‏

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة