السؤال
أقوم بمراقبة الكلام الذي أقوم بتكلمه، وأصنفه إلى ثلاثة أقسام: تؤجر، لا تؤجر، تأثم. لكي أساعد نفسي قدر المستطاع على عدم الخوض في كلام ينالني إثم به.
فهل فعلي جائز؟ أي أنني أقوم بعد حسناتي، وسيئاتي خلال اليوم وتسجيلها، لكي تبقى أمامي، وأحاول مستقبلا زيادة الحسنات، والتقليل من السيئات.
وهل الكلام العادي الذي لا نؤجر عليه نحاسب إذا كان كثيرا؟
وكيف أستطيع التوفيق بين المزاح وعدم الكذب؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فلا حرج عليك فيما تفعلينه من محاسبة نفسك على ما تتكلمين به، ومراقبتها، بل هذا مما ينبغي، حتى تعودي لسانك على الكف عن الكلام إلا في الخير، وقد جاء في الحديث الصحيح: من صمت نجا. رواه أحمد، والترمذي.
ولذا كان السلف الصالح يحاسبون أنفسهم، ويحترزون من ألسنتهم، وكلامهم أشد الاحتراز؛ ففي الموطأ عن أسلم أن عمر دخل على أبي بكر الصديق وهو يجبذ لسانه، فقال عمر: مه غفر الله لك، فقال أبو بكر: إن هذا أوردني الموارد.
وروي عن عمر -رضي الله عنه- قال: من كثر كلامه كثر سقطه. وعن ابن مسعود قال: أنذركم فضول الكلام، بحسب أحدكم ما بلغ حاجته.
وعن علي -رضي الله عنه- قال: اللسان قوام البدن، فإذا استقام اللسان استقامت الجوارح، وإذا اضطرب اللسان لم تقم له جارحة.
وقال محمد بن واسع -رحمه الله-: حفظ اللسان أشد على الناس من حفظ الدينار والدرهم.
ورؤي بعض الأكابر من أهل العلم في النوم فسئل عن حاله فقال: أنا موقوف على كلمة قلتها، قلت: ما أحوج الناس إلى غيث، فقيل لي: وما يدريك أأنت أعلم بمصلحة عبادي مني؟!
وقد نص الفقهاء على أنه ينبغي كف اللسان إلا في الخير.
قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى-: اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام، إلا كلاما تظهر المصلحة فيه، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه؛ لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام، أو مكروه، بل هذا كثير، أو غالب في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء. اهــ.
وأما هل يحاسب الإنسان على الكلام المباح الكثير؟
فالجواب أنه قد اختلف أهل العلم فيما إذا كان يكتب على الإنسان كل شيء يتكلم به، أم أنه لا يكتب إلا ما فيه ثواب، أو عقاب.
قال القرطبي في تفسيره: قال أبو الجوزاء، ومجاهد: يكتب على الإنسان كل شيء حتى الأنين في مرضه، وقال عكرمة: لا يكتب إلا ما يؤجر به، أو يؤزر عليه، وقيل: يكتب عليه كل ما يتكلم به، فإذا كان آخر النهار محا عنه ما كان مباحا، نحو: انطلق، اقعد، كل، مما لا يعلق به أجر أو وزر. انتهى.
وذكر ابن كثير أن ظاهر الآية العموم.
وأما كيف توفق بين المزاح، وعدم الكذب؟
فهذا يكون بأمرين: أولهما أن تلزم الصدق، فلا تمزح إلا بصدق، ولا تقول في مزاحك إلا حقا. وقد روى الطبراني من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني لأمزح، ولا أقول إلا حقا.
وثاني الأمرين: أن تقلل من المزاح، فلا تكثر منه؛ إذ إن كثرته مذمومة قد تجر إلى الكذب، وما لا تحمد عقباه.
قال الشيخ العثيمين: كثرة المزاح لا خير فيه، وقد قيل: المزح في الكلام كالملح في الطعام، لا يصلح الطعام بدونه، ولا يصلح الطعام إذا زاد الملح، ثم إن من الناس من يتجاوز في المزح، فيذكر من الألفاظ النابية في حق إخوانه ما لا يليق، وربما يصل ذلك إلى أبعد من هذا، فقد يكون منه سخرية بشيء من العبادات، أو بشيء من الدين، وهذا خطير جدا جدا، قد يؤدي إلى الكفر والعياذ بالله... اهـ.
وانظري الفتوى رقم: 67495 عن المزاح.. ضوابطه وآدابه.
والله أعلم.