السؤال
أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالمشي إلى المسجد بسكينة، فهل أفعل ذلك في كل أموري؟ مثلا: عندما أريد الذهاب لأتوضأ، أو أي شيء آخر في الحياة.
أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالمشي إلى المسجد بسكينة، فهل أفعل ذلك في كل أموري؟ مثلا: عندما أريد الذهاب لأتوضأ، أو أي شيء آخر في الحياة.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن صفة عباد الرحمن أنهم يمشون على الأرض هونا، أي في سكينة، ووقار، من غير تكبر ولا اختيال، قال الله تعالى: وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا. {الفرقان:63}، قال القرطبي: قوله تعالى:" هونا" الهون مصدر الهين، وهو من السكينة والوقار. وفي التفسير يمشون على الأرض حلماء متواضعين، يمشون في اقتصاد. والقصد، والتؤدة، وحسن السمت، من أخلاق النبوة. وقال صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس؛ عليكم بالسكينة فإن البر ليس في الإيضاع)، وروي في صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا زال زال تقلعا، ويخطو تكفؤا، ويمشي هونا، ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب. التقلع: رفع الرجل بقوة، والتكفؤ: الميل إلى سنن المشي وقصده. والهون: الرفق والوقار. والذريع: الواسع الخطا، أي: إن مشيه كان يرفع فيه رجله بسرعة ويمد خطوه، خلاف مشية المختال، ويقصد سمته، وكل ذلك برفق وتثبت دون عجلة. كما قال: كأنما ينحط من صبب، قاله القاضي عياض. انتهى.
فالذي ينبغي للمسلم في مشيه لحاجاته، وتقلبه في معاشه أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم ما أمكن، وكان صلوات الله عليه يمشي في سكينة ووقار في غير تكبر ولا اختيال، ومع ذا فقد كان يسرع في مشيته، فلا يمشي مشية المتماوت، فكانت مشيته صلى الله عليه وسلم وسطا بين مشيتين، قال ابن القيم -رحمه الله-: "كان -صلى الله عليه وسلم- إذا مشى تكفأ تكفؤا، وكان أسرع الناس مشية وأحسنها وأسكنها، قال أبو هريرة: ( ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحدا أسرع في مشيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كأنما الأرض تطوى له، وإنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث ) وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى تكفأ تكفؤا كأنما ينحط من صبب ) وقال مرة: ( إذا مشى تقلع ) قلت: والتقلع: الارتفاع من الأرض بجملته كحال المنحط من الصبب، وهي مشية أولي العزم والهمة والشجاعة، وهي أعدل المشيات وأرواحها للأعضاء، وأبعدها من مشية الهوج، والمهانة، والتماوت، فإن الماشي إما أن يتماوت في مشيه ويمشي قطعة واحدة كأنه خشبة محمولة، وهي مشية مذمومة قبيحة، وإما أن يمشي بانزعاج واضطراب مشي الجمل الأهوج، وهي مشية مذمومة أيضا، وهي دالة على خفة عقل صاحبها، ولا سيما إن كان يكثر الالتفات حال مشيه يمينا وشمالا، وإما أن يمشي هونا، وهي مشية عباد الرحمن كما وصفهم بها في كتابه فقال {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا} [الفرقان: 63]. قال غير واحد من السلف: بسكينة ووقار من غير تكبر ولا تماوت، وهي مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه مع هذه المشية كان كأنما ينحط من صبب، وكأنما الأرض تطوى له، حتى كان الماشي معه يجهد نفسه ورسول الله صلى الله عليه وسلم غير مكترث، وهذا يدل على أن مشيته لم تكن مشية بتماوت ولا بمهانة، بل مشية أعدل المشيات.،، انتهى.
هذا عن مشي المسلم في جميع شؤونه، وللصلاة مزيد عناية بعدم الإسراع، والسعي المجهد؛ لئلا يدخل المصلي الصلاة في غير خشوع وطمأنينة، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة، وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا.
والله أعلم.