السؤال
كان أبي منذ سنوات يشتغل دركيا بالطرقات، وخلال العمل كان يقبض مالا من سائقي شاحنات برضاهم، لكن أبي غير العمل في الطرقات بعمل في مجال آخر في إطار مهنة الدرك، لأنه لم يعد يحب ذلك العمل، ويقول: إن ذلك المال الإضافي الذي أكسبه في الطرقات حرام. وظل يكتفي فقط براتبه الشهري.
وبعد مرور الوقت اشترى أبي بقعة أرض لبناء منزل من ماله الذي جمعه من راتبه الشهري عندما كان يشتغل بالطرقات.
سؤالي هو: هل تعتبر تلك البقعة حرام أم لا؟ وإذا كانت حراما، ماذا يجب أن يفعل؟ وهل هي حرام على أبي فقط أم على زوجته وأبنائه أيضا؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أصاب الوالد في حكمه بالحرمة على المال الذي كان يأخذه من سائقي الشاحنات، حتى لو افترضنا تحقق رضاهم بالفعل، لأنهم لا يبذلونه لشخصه, بل لوظيفته وعمله، ولولا ذلك لم يفعلوا، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هدايا العمال غلول" رواه أحمد, وصححه الألباني. واستعمل صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي. قال: "فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر يهدى له أم لا؟! والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منه شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته, إن كان بعيرا له رغاء, أو بقرة لها خوار, أو شاة تيعر" رواه البخاري, ومسلم. قال النووي في شرحه: وفي هذا الحديث بيان أن هدايا العمال حرام وغلول؛ لأنه خان في ولايته وأمانته ... وقد بين صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث السبب في تحريم الهدية عليه، وأنها بسبب الولاية، بخلاف الهدية لغير العامل فإنها مستحبة. اهـ. وقد سبقت فتوى في شرح هذا الحديث برقم: 14160.
وأما لو كان ذلك غصبا ورغما عنهم، فالحرمة أشد وأوضح، وراجع الفتوى رقم: 270358.
وعلى ذلك؛ فقد كان الواجب على أبيك أن يتوب إلى الله تعالى، ويجتهد في تقدير هذا المال الحرام, ورده إلى من يستطيع رده إليهم من السائقين، فإن لم يستطع تصدق به عنهم.
وأما إدخال هذا المال في ثمن الشراء للأرض المذكورة: فهذا لا يحرم الأرض عليه فضلا عن زوجته وأولاده، بل ينتفع بها وتورث عنه كسائر أمواله. ومتى ما رد قدر المال الحرام إلى أصحابه أو تصدق به عنهم عند العجز عن ذلك: برئت ذمته.
والله أعلم.