السؤال
قيل لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: ألا تكسو الكعبة بالحرير؟ فقال: بطون المسلمين أولى.
ما صحة هذا الأثر؟
قيل لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: ألا تكسو الكعبة بالحرير؟ فقال: بطون المسلمين أولى.
ما صحة هذا الأثر؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نعثر على الأثر المذكور، ونذكر بعض ما ورد عن عمر -رضي الله عنه- في كسوة الكعبة: فقد جاء في أخبار مكة للأزرقي -في ذكر كسوة الكعبة في الإسلام, وطيبها, وخدمها, وأول من فعل ذلك-: عن ابن أبي نجيح، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كسا الكعبة القباطي من بيت المال، وكان يكتب فيها إلى مصر تحاك له هناك، ثم عثمان من بعده، فلما كان معاوية بن أبي سفيان كساها كسوتين: كسوة عمر القباطي، وكسوة ديباج، فكانت تكسى الديباج يوم عاشوراء، وتكسى القباطي في آخر شهر رمضان للفطر، وأجرى لها معاوية وظيفة من الطيب لكل صلاة، وكان يبعث بالطيب, والمجمر, والخلوق في الموسم، وفي رجب، وأخدمها عبيدا بعث بهم إليها، فكانوا يخدمونها، ثم اتبعت ذلك الولاة بعده. قال ابن منظور في لسان العرب: والقبطية: ثياب كتان بيض رقاق تعمل بمصر, وهي منسوبة إلى القبط على غير قياس، والجمع: قباطي قباطي. انتهى.
وروى ابن ماجه عن شقيق، قال: بعث رجل معي بدراهم هدية إلى البيت، قال: فدخلت البيت وشيبة جالس على كرسي، فناولته إياها، فقال: ألك هذه؟ قلت: لا، ولو كانت لي، لم آتك بها، قال: أما لئن قلت ذلك، لقد جلس عمر بن الخطاب مجلسك الذي جلست فيه، فقال: لا أخرج، حتى أقسم مال الكعبة بين فقراء المسلمين قلت: ما أنت فاعل، قال: لأفعلن، قال: ولم ذاك؟ قلت: لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد رأى مكانه، وأبو بكر، وهما أحوج منك إلى المال، فلم يحركاه، فقام كما هو، فخرج ورواه البخاري بمعناه, ولفظه بدل "مال الكعبة": "صفراء, ولا بيضاء" قال الحافظ في الفتح: أي: ذهبا وفضة، قال القرطبي: غلط من ظن أن المراد بذلك حلية الكعبة، وإنما أراد الكنز الذي بها، وهو ما كان يهدى إليها، فيدخر ما يزيد عن الحاجة. قال ابن بطال: أراد عمر لكثرته إنفاقه في منافع المسلمين، ثم لما ذكر بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتعرض له أمسك، وإنما تركا ذلك -والله أعلم- لأن ما جعل في الكعبة وسبل لها يجري مجرى الأوقاف، فلا يجوز تغييره عن وجهه، وفي ذلك تعظيم الإسلام, وترهيب العدو. قلت (ابن حجر): أما التعليل الأول: فليس بظاهر من الحديث، بل يحتمل أن يكون تركه - صلى الله عليه وسلم - لذلك رعاية لقلوب قريش، كما ترك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم، ويؤيده ما وقع عند مسلم في بعض طرق حديث عائشة في بناء الكعبة: لأنفقت كنز الكعبة، ولفظه: لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها بالأرض .. الحديث، فهذا التعليل هو المعتمد، وعلى هذا؛ فإنفاقه جائز، كما جاز لابن الزبير بناؤها على قواعد إبراهيم، لزوال سبب الامتناع. انتهى.
وانظر الفتوى رقم: 115820.
والله أعلم.