الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التصوير بالكاميرا أو بالفيديو والجوال قد تنازع العلماء في حكمه، فقال بعضهم: هو تصوير محرم، لدخوله تحت عموم الألفاظ النبوية، فيقال فيه: صورة، فلا يجوز منه شيء إلا عند الضرورة، أو الحاجة.
ومنهم من قال: بأن هذا ليس تصويرا بالمعنى الوارد في الأحاديث، فإنه ليس فيه مضاهاة لخلق الله، ومع أن هذا القول هو الأقرب عندنا، فإن الأمر إذا اختلف فيه العلماء كان محل شبهة، والورع: تجنب الشبهات؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه. رواه البخاري، ومسلم.
ومحل الخلاف هنا: هو حيث لم يشتمل التصوير على محرم، أو دعوة إلى المحرم، فإن اشتمل على ذلك منع، كأن يشتمل على صور نساء متبرجات، ونحو ذلك، ويمكنك مراجعة الفتوى رقم: 10888، والفتوى رقم: 110405.
وأما العلامة ابن باز فهو من المحرمين للتصوير إلا ما دعت إليه الحاجة والضرورة، وقد توقف في تصوير الدروس بالفيديو، وما أشبهها؛ فقد سئل ـ رحمه الله ـ عن حكم تصوير المحاضرات بجهاز الفيديو للاستفادة منها في أماكن أخرى لتعم الفائدة؟ فأجاب: هذا محل نظر, وتسجيلها بالأشرطة أمر مطلوب, ولا يحتاج معها إلى الصورة, ولكن الصورة قد يحتاج إليها بعض الأحيان حتى يعرف ويتحقق أن المتكلم فلان, فالصورة توضح المتكلم, وقد يكون ذلك لأسباب أخرى, فأنا عندي في هذا توقف, من أجل ما ورد من الأحاديث في حكم التصوير لذوات الأرواح, وشدة الوعيد في ذلك. وإن كان جماعة من إخواني أهل العلم رأوا أنه لا بأس بذلك للمصلحة العامة. ولكن أنا عندي بعض التوقف في مثل هذا لعظم الخطر في التصوير، ولما جاء فيه من الأحاديث الثابتة في الصحيحين, وغيرهما, في بيان أن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون. رواه البخاري, ومسلم. وأحاديث لعن المصورين إلى غير ذلك من الأحاديث. والله ولي التوفيق. مجموع فتاوى ابن باز 5 /375.
وأما العلامة ابن عثيمين فقد أباح أغلب التصوير الفوتوغرافي، والتصوير بالفيديو، وقد سئل عن حكم تصوير المحاضرات والندوات بأجهزة الفيديو؟ فأجاب: الذي أرى: أنه لا بأس بتصوير المحاضرات، والندوات بأجهزة الفيديو إذا دعت الحاجة إلى ذلك, أو اقتضته المصلحة لأمور:
أولا: أن التصوير الفوتوغرافي الفوري لا يدخل في مضاهاة خلق الله, كما يظهر للمتأمل.
ثانيا: أن الصورة لا تظهر على الشريط، فلا يكون فيه اقتناء للصورة.
ثالثا: أن الخلاف في دخول التصوير الفوتوغرافي الفوري في مضاهاة خلق الله - وإن كان يورث شبهة - فإن الحاجة أو المصلحة المحققة لا تترك لخلاف لم يتبين فيه وجه المنع.
هذا ما أراه في هذه المسألة. اهـ.
هذا؛ وننبه إلى أن الصور التي تظهر في المواقع، والتي لا يظهر منها إلا الرأس، لا تدخل في النهي عند كثير من العلماء، فقد ذهب جمع من الأقدمين إلى أن الصورة المقطوعة الرأس أو البطن لا حرج فيها, واستدلوا لذلك بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر عائشة -رضي الله عنها- بتقطيع الثوب الذي كان عندها وفيه تصاوير، فقطعته فجعلته وسادتين يجلس عليهما النبي -صلى الله عليه وسلم-، والحديث في الصحيحين، وغيرهما. قال ابن قدامة في المغني: وإن قطع منه ما لا يبقى الحيوان بعد ذهابه, كصدره, أو بطنه, أو جعل له رأس منفصل عن بدنه, لم يدخل تحت النهي؛ لأن الصورة لا تبقى بعد ذهابه, فهو كقطع الرأس، وإن كان الذاهب يبقي الحيوان بعده, كالعين, واليد, والرجل, فهو صورة داخلة تحت النهي. وكذلك إذا كان في ابتداء التصوير صورة بدن بلا رأس, أو رأس بلا بدن, أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان, لم يدخل في النهي; لأن ذلك ليس بصورة حيوان ... اهـ.
وخالف الشيخ/ ابن باز ـ رحمه الله ـ في هذا فقال: والصورة إذا قطع أسفلها وبقي رأسها، لم تكن بهذه المثابة لبقاء الوجه، ولأن في الوجه من بديع الخلقة والتصوير ما ليس في بقية البدن، فلا يجوز قياس غيره عليه عند من عقل عن الله ورسوله مراده. اهـ.
والله أعلم.