السؤال
سؤالي عن مجاورة الحرم المكي:
أنا أعمل بمكان قريب جدا من مكة, وباستطاعتي العيش في مكة بدون جهد, وأنا أتمنى ذلك ابتغاء الأجر، وأجر 100 ألف صلاة, ولكن أخاف من اقتراف بعض الذنوب التي أقع فيها أحيانا، كمشاهدة مسلسل تلفزيوني أو فيلم, مع محاولاتي غض البصر عن المتبرجات، وأحيانا تزيد الذنوب, وأحيانا تقل, فهل أجاور أم لا؟
أفيدوني، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف العلماء في حكم المجاورة بمكة شرفها الله؛ فمنهم من استحبها لتحصيل الأجور العظيمة بعبادة الله هناك، ومنهم من كرهها طلبا للسلامة من مواقعة المعاصي التي يزيد إثمها هناك، والقول الأول قول الجمهور، جاء في الموسوعة الفقهية: تستحب المجاورة بمكة والحرم عند جمهور الفقهاء (الشافعية, والحنابلة, وأبي يوسف, ومحمد, وهو قول ابن القاسم من المالكية)، وذلك لما يحصل من الطاعات التي لا تحصل في غيرها من الطواف, وتضعيف الصلوات, والحسنات. وحكي عن بعض الفقهاء منهم أبو حنيفة كراهة المجاورة بالحرم خوفا من التقصير في حرمته, والتبرم, واعتياد المكان، ولما يحصل بالمفارقة من تهييج الشوق وانبعاث داعية العود. قال تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا} (2) أي يثوبون إليه، ويترددون إليه مرة بعد أخرى. وعلل بعضهم الكراهة بالخوف من ركوب الخطايا والذنوب فيه. انتهى.
والذي يترجح كما قال النووي -رحمه الله-: استحباب المجاورة إلا لمن غلب على ظنه أنه يقارف المنكرات, ويأتي ما حرم الله عليه، قال أبو زكريا النووي -رحمه الله-: * والمختار: أن المجاورة مستحبة بمكة والمدينة إلا أن يغلب على ظنه الوقوع في الأمور المذمومة أو بعضها (وقد جاور بهما خلائق لا يحصون من سلف الأمة وخلفها ممن يقتدى به, وينبغي للمجاور أن يذكر نفسه بما جاء عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: لخطيئة أصيبها بمكة أعز علي من سبعين خطيئة بغيرها. انتهى.
وعليه؛ فالأفضل لك أن تجاور بمكة, وأن تجتهد في كف نفسك عن الذنوب, والتوبة من جميعها, والإقلاع عما تعتاده منها طلبا لعظيم الأجر، فإن غلب على ظنك أنك لا تقوم بحق المجاورة, ولا تصبر عن المعصية, فاترك المجاورة ريثما تتمكن من مجاهدة نفسك على ترك تلك الذنوب، ولكن لا يثبطنك الشيطان عن فعل الخير, ويحملك على ترك المجاورة بحجة أنك لا تترك الذنوب, فإن المشروع هو: التوبة, وأن تجاور بمكة -حرسها الله-.
والله أعلم.