السؤال
سؤالي يتعلق بصلاة العشاء، وهو: ما حكم الرجل الذي يسمع الأذان ولا يصلي بحجة تأخيره لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى نصف الليل)؟ فالرجل يسمع الأذان ولا عذر له سوى هذه الحجة، وكذلك هل يحق له تأخيرها إذا لم يسمع الأذان، ولكن علم بدخول الوقت أو كان يتناول الطعام؟ وكذلك لو سمع الأذان ولكن المسجد بعيد عن البيت؟ وكذلك الرجل الذي يدخل المسجد فيجدهم قد انتهوا من الصلاة فيؤخرها؟ وكذلك المرأة في البيت فتؤخرها لأفضليتها؟ وكذلك كيف نوفق بين الحديث المذكور وحديث أفضل الأعمال الصلاة على وقتها؟
وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد ذهب كثير من الفقهاء إلى أن صلاة الجماعة في المسجد واجبة، لا يجوز تركها بغير عذر، وليس من العذر تأخيرها بسبب تحصيل فضيلة التأخير بالنسبة للعشاء، وحتى على القول بأن صلاة الجماعة في المسجد سنة مؤكدة وليست واجبة: فإنها لا تترك، ويصليها منفردا بحجة استحباب تأخير العشاء، واستحباب تأخير العشاء إنما هو في حق المنفرد والجماعة الذين يرضون بالتأخير، كما بيناه في الفتوى رقم: 120369. أما إذا دار الأمر بين أن يصليها جماعة في أول الوقت أو منفردا بعد ذلك: فلا شك أن الصلاة أول الوقت جماعة أفضل من التأخير، والنبي -صلى الله عليه وسلم- إنما كان يؤخر العشاء لأجل اجتماع الناس، وحضور أكبر عدد منهم، ولذا كان يعجل صلاة العشاء إذا رآهم اجتمعوا، كما في حديث جابر -رضي الله عنه-: "والعشاء أحيانا وأحيانا؛ إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطوا أخر" متفق عليه. وفي رواية للبخاري: "والعشاء إذا كثر الناس عجل، وإذا قلوا أخر"
قال الحافظ في الفتح: التأخير إنما كان لانتظار من يجيء لشهود الجماعة. اهـ.
وقال ملا القاري في مرقاة المفاتيح عن حكمة تأخير العشاء: لأن في تأخيرهن فضيلة انتظار الصلاة، وتكثير الجماعة. اهـ. ومثله قول بدر الدين العيني في شرح البخاري عن حكم تأخير العشاء: لإحراز فضيلة الجماعة. اهـ. وانظر الفتوى رقم: 122598.
وأما ترك الجماعة لأجل الطعام: فقد جاءت السنة بجواز التخلف عن الجماعة لمن وضع بين يديه الطعام، وكانت نفسه تتوق إليه، فيقضي حاجته منه، حتى يصلي وهو خالي الذهن من التفكير في الطعام، كما فصلناه في الفتوى رقم: 74790، والفتوى رقم: 56446.
وأما ترك جماعة المسجد لأجل بعد المسجد: فإن كان المسجد بعيدا بحيث لا يسمع الأذان بالصوت المعتدل بدون مكبرات، فإنه لا تجب عليه جماعة المسجد عند القائلين بوجوبها، وأما إن كان يسمع الصوت المعتدل بدون مكبرات، فإنه تجب عليه الجماعة في المسجد عندهم، وانظر الفتوى رقم: 5367.
والله تعالى أعلم.