السؤال
فضيلة الشيخ حفظه الله
منذ عشرين عاما تقريبا تم توزيع ميراث والدي علينا (إخوة وأخوات) علما أن والدي في حينها كان حيا، وقد رضي الجميع بهذا التوزيع، علما أنه لم يكن عادلا خاصة بالنسبة للبنات.
وقد تم توزيع الميراث قبل وفاة والدي بموافقته؛ حيث أنه كان شيخا كبيرا، ولا يستطيع استغلال الأرض، وذلك حتى يتمكن كل واحد من الأبناء من معرفة نصيبه واستغلاله؛ نظرا لحاجتهم لذلك، علما أننا جميعا كنا نجهل أنه لا يجوز توزيع الإرث في حياة المورث، ولكن هذا ما حصل.
وأيضا نحن نعيش في قرية وكان من العيب جدا أن البنت تأخذ نصيبا من الميراث أو تطالب به، ونحن أول من أعطى نصيبا من الميراث للبنات في قريتنا، وكان الجميع يستغرب ذلك وحتى إخوتي الكبار في البداية رفضوا ذلك، ولكن للأسف لم يكن التوزيع عادلا بالنسبة لهن بالذات.
ورضي الجميع بهذه القسمة، ولم يعترض عليه سوى فقط واحدة من أخواتنا وعددهن 9 أخوات، ولكنها قبلت بالأمر الواقع؛ حيث أن أسعار الأراضي التي وزعت على الأبناء فقط دون البنات في حينها رخيصة جدا.
وبعدها بعدة سنوات توفي والدي ـ رحمة الله عليه ـ وقد قام كل من الأبناء بزراعة نصيبه واستغلاله وتحسينه، وفي هذه الأيام حيث بدأ الجميع يعطي البنات نصيبهن من الميراث وارتفعت أسعار الأراضي كثيرا، وبدأت أخواتي يطالبن بإعادة توزيع الإرث وإعطائهن نصيبهن العادل حسب الشرع وأنهن مظلومات .
آمل منكم إفادتي عن الآتي:
1- هل فعلا من حقهن المطالبة في إعادة توزيع الإرث، خاصة أن القسمة حدثت في حياة والدنا.
2- وإذا كان من حقهن فما هي الطريقة المثلى لذلك؛ حيث أن الأراضي تم استغلالها وزراعتها وإقامة مباني عليها.
3- إذا رفض بعض الإخوة إعادة التوزيع فهل من الممكن أن يقوم من اقتنع بذلك بتعويضهن عن الجزء الذي يخصه إذا كان لهن حق عنده.
4- وما هو المطلوب فعله من طرفنا نحن الأبناء والبنات تجاه والدنا ـ رحمه الله ـ في ما حصل في هذا الموضوع حتى لا نحمله إثما أو نتحمل نحن إثما، علما أنه كما أوردت لكم للأسف كان بجهالة ودون قصد.
5- آمل إفادتي عن أي شيء في هذا الموضوع تقترحونه أو ترونه مناسبا لم يتم ذكره.
شاكرا لكم تعاونكم وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما فعله الأب في حياته ورشده ليس تقسيما للميراث إذ لا ميراث قبل الوفاة، وإنما هو هبة منه وعطية لأبنائه وبناته، وإذا كان كذلك فالأصل وجوب العدل في العطية بين الأبناء على الراجح؛ لما جاء عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأرجعه، وفي لفظ: فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقته فقال: فعلت هذا بولدك كلهم؟ قال: لا. قال: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. فرجع أبي فرد تلك الصدقة: متفق عليه. وفي رواية لمسلم قال: فأشهد على هذا غيري، ثم قال: أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: بلى. قال: فلا إذن.
ثم إن العلماء اختلفوا في صفة التسوية بين الأولاد، فقال محمد بن الحسن وأحمد واسحاق وبعض الشافعية والمالكية: العدل أن يعطى الذكر مثل حظ الأنثيين كالميراث، وقال غيرهم يسوى بين الذكر والأنثى، وهذا القول الأخير هو الأظهر -إن شاء الله- لقوله صلى الله عليه وسلم: سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء. أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من طريقه وحكم الحافظ في الفتح بأن إسناده حسن.
لكن ما دام الأبناء قد حاز كل منهم نصيبه وقد مات الأب فإن تلك العطية تمضي، ولا يجب الرجوع فيها في قول أكثر العلماء، ولا يجب على الأبناء دفع شيء للبنات، إلا إذا طابت نفوسهم به، قال الرحيباني في مطالب أولي النهى ممزوجا بغاية المنتهى: فإن مات معط قبله ـ أي التعديل ـ وليست العطية بمرض موته المخوف ثبتت العطية للآخذ فلا يملك بقية الورثة الرجوع، نص عليه في رواية محمد بن الحكم والميموني، لخبر الصديق وتقدم، وكما لو كان الآخذ أجنبيا، لأنها عطية لذي رحم، فلزمت بالموت كما لو انفرد.
قال ابن قدامة في المغني: إذا فاضل بين ولده في العطايا، أو خص بعضهم بعطية ثم مات قبل أن يسترده ثبت ذلك للموهوب له ولزم، وليس لبقية الورثة الرجوع، هذا المنصوص عن أحمد في رواية محمد بن الحكم والميموني واختاره الخلال وصاحبه أبو بكر وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأكثر أهل العلم وهو الذي ذكره الخرقي.
والله أعلم.