السؤال
سمعت شيخا يقول: تصرفات بني آدم منه ،وهل يعني يصبح الله ناقصا؛ لأن الله كامل كل شيء منه.
جزاك الله خيرا.
سمعت شيخا يقول: تصرفات بني آدم منه ،وهل يعني يصبح الله ناقصا؛ لأن الله كامل كل شيء منه.
جزاك الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي أن يعلم ـ أولا ـ أنه لا منافاة بين كون تصرفات وأفعال بني آدم صادرة منهم وأنهم فاعلون على الحقيقة، وبين عموم خلق الله تعالى لجميع الأشياء، فقد قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ في منهاج السنة النبوية مبينا ذلك: الأعمال والأقوال والطاعات والمعاصي من العبد، بمعنى أنها قائمة به وحاصلة بمشيئته وقدرته، وهو المتصف بها المتحرك بها، الذي يعود حكمها عليه، فإنه قد يقال لما اتصف به المحل وخرج منه: هذا منه وإن لم يكن له اختيار، كما يقال: هذه الريح من هذا الموضع، وهذه الثمرة من هذه الشجرة، وهذا الزرع من هذه الأرض، فلأن يقال ما صدر من الحي باختياره: هذا منه بطريق الأولى، وهي من الله، بمعنى أنه خلقها قائمة بغيره وجعلها عملا له وكسبا وصفة، وهو خلقها بمشيئة نفسه وقدرة نفسه بواسطة خلقه لمشيئة العبد وقدرته، كما يخلق المسببات بأسبابها، فيخلق السحاب بالريح، [والمطر بالسحاب]، والنبات بالمطر. والحوادث تضاف إلى خالقها باعتبار، وإلى أسبابها باعتبار، فهي من الله مخلوقة له في غيره، كما أن جميع حركات المخلوقات وصفاتها منه، وهي من العبد صفة قائمة به، كما أن الحركة من المتحرك المتصف بها وإن كان جمادا، فكيف إذا كان حيوانا؟ وحينئذ فلا شركة بين الرب وبين العبد لاختلاف جهة الإضافة، كما [أنا] إذا قلنا: هذا الولد من هذه المرأة بمعنى أنها ولدته، ومن الله بمعنى أنه خلقه لم يكن بينهما تناقض، وإذا قلنا هذه الثمرة من الشجرة، وهذا الزرع من الأرض، بمعنى أنه حدث فيها، ومن الله بمعنى أنه خلقه منها، لم يكن بينهما تناقض. انتهى.
ثم جوابا عن سؤالك نقول: لا يلزم من وجود النقص في أعمال العباد وجوده في صفات الله وأفعاله سبحانه وتعالى، فإن الله خلق الخير والشر لحكم عظيمة ندرك بعضها ونجهل أكثرها، فهي باعتبار هذه الحكم والمآلات تكون خيرا كلها، وإنما الشر واقع في مفعولاته لا في أفعاله سبحانه، فالخير كله بيد الله والشر ليس إليه. قال شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية: والله تعالى وإن كان خالقا لكل شيء فإنه خلق الخير والشر لما له في ذلك من الحكمة التي باعتبارها كان فعله حسنا متقنا، كما قال: {الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين} [سورة السجدة: 7] وقال: {صنع الله الذي أتقن كل شيء} [سورة النمل: 88] فلهذا لا يضاف إليه الشر مفردا، بل إما أن يدخل في العموم، وإما أن يضاف إلى السبب، وإما أن يحذف فاعله، فالأول: كقول [الله تعالى]: {الله خالق كل شيء} [سورة الزمر: 62] والثاني: كقوله: {قل أعوذ برب الفلق - من شر ما خلق} [سورة الفلق: 1، 2] والثالث كقوله فيما حكاه عن الجن: {وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا} [سورة الجن: 10] وقد قال في أم القرآن: {اهدنا الصراط المستقيم - صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [سورة الفاتحة: 6، 7] فذكر أنه فاعل النعمة، وحذف فاعل الغضب، وأضاف الضلال إليهم، وقال الخليل [عليه السلام] {وإذا مرضت فهو يشفين} [سورة الشعراء: 80]، ولهذا كان لله الأسماء الحسنى، فسمى نفسه بالأسماء الحسنى المقتضية للخير، وإنما يذكر الشر في المفعولات، كقوله: {اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم} [سورة المائدة: 98]، وقوله في آخر سورة الأنعام: {إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم} [سورة الأنعام: 165] وقوله في الأعراف: {إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم} [سورة الأعراف: 167]، وقوله: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم - وأن عذابي هو العذاب الأليم} [سورة الحجر: 49، 50] وقوله: {حم - تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم - غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو} [سورة غافر: 13]، وهذا لأن ما يخلقه من الأمور التي فيها شر بالنسبة إلى بعض الناس فله فيها حكمة، هو بخلقه لها حميد مجيد، له الملك وله الحمد، فليست بالإضافة إليه شرا ولا مذمومة، فلا يضاف إليه ما يشعر بنقيض ذلك، كما أنه سبحانه خالق الأمراض والأوجاع والروائح الكريهة والصور المستقبحة والأجسام الخبيثة كالحيات والعذرات لما له في ذلك من الحكمة البالغة. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتاوى: 35375، 67389، 174581.
والله أعلم.