السؤال
ما الأسباب التي تؤدي لوضع الأحاديث؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالخبر الموضوع: هو الكلام الذي اختلقه بعض الناس، ونسبوه للرسول صلى الله عليه وسلم، قال البيقوني في منظومته:
والكذب المختلق المصنوع ... على النبي فذلك الموضوع.
وقد سبق بيان حكم روايته والعمل به، في الفتوى: 13202.
ومتعمد الوضع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مرتكب لكبيرة من الكبائر، يجب عليه أن يتوب منها، بالإقلاع عنها، والندم على فعلها، والعزم على عدم العودة إليها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار. وهو حديث متفق عليه، بل إنه قد بلغ مبلغ التواتر.
وذهب بعض العلماء إلى القول بكفر واضع الحديث متعمدا، وعلى رأسهم الشيخ العلامة عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف الجويني، وهو والد إمام الحرمين الشافعي المعروف، وأيد الجويني في هذا العلامة ابن الوزير، واستدل عليه في التنقيح بقوله: ويدل على قوله، قول الله تعالى: فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون [يونس:17]، فسوى بين الكذب على الله وتكذيبه. انتهى.
ونقل الحافظ ابن كثير عن أبي الفضل الهمذاني شيخ ابن عقيل من الحنابلة أنه وافق الجويني في هذا الكلام، قال السيوطي -رحمه الله- في الألفية:
وجزم الشيخ أبو محمد ... بكفره بوضعه إن يقصد.
والراجح أن الوضع كبيرة من الكبائر، بل هو من أكبر الكبائر.
أما عن الأسباب التي تحمل الوضاعين على الوضع، فهي كثيرة، منها:
1- إفساد دين الإسلام، ورأس هذا النوع هم الزنادقة، والملحدون؛ ليلبسوا على المسلمين دينهم، قال حماد بن زيد: وضعت الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألف حديث، لكن الله تعالى من على أمة الإسلام بالنقاد، والمحققين، الذين نخلوا السنة، فأخرجوا منها ما كان من هذا الباب، وأشباهه، وصنفوا في ذلك الكتب، والمؤلفات.
2- نصرة الرأي والمذهب، كأهل الأهواء والبدع، قال عبد الله بن زيد المقرئ: إن رجلا من أهل البدع رجع عن بدعته، فجعل يقول: انظروا هذا الدين عمن تأخذونه، فإنا كنا إذا رأينا رأيا، جعلنا له حديثا.
3- التكسب، والاقتيات برواية الموضوعات، وهذا منتشر في القصاص، والمداحين؛ حيث يروون الأحاديث الكاذبة؛ لنيل المال، والحطام، وأمثلته كثيرة مبثوثة في كتب مصطلح الحديث.
4- التقرب إلى الملوك، والسلاطين، وذلك بأن يرووا لهم من المعاني ما يحبون؛ تسويغا لأفعالهم، وتأييدا لطريقهم، كما فعل غياث بن إبراهيم مع أمير المؤمنين المهدي، لما رآه يلعب بالحمام، فذكر له حديثا بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر، أو جناح. فأضاف: أو جناح. وليس ذلك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما فعل ذلك مجاملة للأمير، وطلبا للنوال.
5- الوضع المشتهر عن الصوفية؛ لترغيب الناس في طريقتهم، وحثهم على الأعمال.
وقد لخص الحافظ السيوطي -رحمه الله- ذلك في ألفيته، فقال:
والواضعون بعضهم ليفسدا ... دينا، وبعض نصر رأي قصدا
كذا تكسبا، وبعض قد روى ... للأمراء ما يوافق الهوى
وشرهم صوفية قد وضعوا ... محتسبين الأجر فيما يدعوا
فقبلت منهم ركونا لهم ... حتى أبانها الأولى هم هم
كالواضعين في فضائل السور ... فمن رواها في كتابه فذر.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى: 18178، والفتوى: 18526.
والله أعلم.