الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما مد الرجلين جهة المصحف، فقد سبق بيان حكمه في الفتوى رقم: 66643، ورقم: 249304
وأما قول من قال: (ارتداء النقاب ليس مسألة أصلية في الدين). فقول مجمل، فإن كان مقصدهم أن النقاب ليس من أركان الإسلام، والإيمان التي هي أصول الدين، فصحيح. وأما إن كان مقصدهم أن النقاب دخيل في الدين، فقول باطل.
وكونه ليس من أصول الدين، لا يدل على عدم وجوبه، بل على المسلم القيام بأمر الله تعالى، والانتهاء عن نهيه بسلوك جادة الشرع المطهر في أصوله وفروعه.
وقد ذكرنا بعض الأدلة الدالة على وجوب تغطية الوجه -كما هو الراجح من أقوال الفقهاء- في الفتوى رقم: 5224 فليراجعها المنصف منهم بتجرد، ليعلم قوة الأدلة مع أي الفريقين.
وأما قولهم: (لو كان النقاب واجبا لأثمت معظم نساء الأرض اللواتي لا يرتدين النقاب). فليس هذا الكلام من الحجة في شيء، فكيف يعارض به النصوص الشرعية. ويقال لهم أيضا: إن كثيرا من نساء هذا الزمان متبرجات، فهل نقول بجواز التبرج حتى لا نؤثم كثيرا من نساء الأرض.
وأما قولهم: (ومن أبرز المؤلفات في هذا كتاب جلباب المرأة المسلمة للألباني). فكتاب الشيخ الألباني -رحمه الله- من أبرز المؤلفات التي انتصرت للقول بعدم وجوب تغطية الوجه واليدين للمرأة. ولكن في المسألة كتب أخرى أطول، وأكثر تفصيلا من كتاب الشيخ الألباني، ومن أبرزها كتاب عودة الحجاب للشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم.
وننبه هنا إلى أن الشيخ الألباني -رحمه الله- قال باستحباب تغطية الوجه، واليدين، ولم يقل إن النقاب ليس مسألة أصلية في الدين.
وأما قولهم: (هناك عشرات من الأحاديث لنساء ظهرن بوجوههن). فهذا ادعاء لا دليل عليه. نعم توجد بعض الأحاديث، ومنها حديث جابر -رضي الله عنه- الذي رواه البخاري وفيه: فتكلمت امرأة من سفلة النساء، سفعاء الخدين ... الحديث. وقد أجاب الموجبون للنقاب عن هذا الحديث بإجابات.
منها ما ذكره العلامة محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى- في أضواء البيان حيث قال: وأجيب عن حديث جابر هذا، بأنه ليس فيه ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم رآها كاشفة عن وجهها، وأقرها على ذلك، بل غاية ما يفيده الحديث أن جابرا رأى وجهها، وذلك لا يستلزم كشفها عنه قصدا، وكم من امرأة يسقط خمارها عن وجهها من غير قصد، فيراه بعض الناس في تلك الحال، كما قال نابغة ذبيان:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتقتنا باليد
فعلى المحتج بحديث جابر المذكور أن يثبت أنه صلى الله عليه وسلم رآها سافرة، وأقرها على ذلك، ولا سبيل له إلى إثبات ذلك. انتهى.
وأما استدلالهم بحديث أسماء بنت عميس -رضي الله عنها- على جواز كشف المرأة وجهها ويديها.
فالجواب عنه: أن هذا الأثر ليس فيه ذكر وجه أسماء، فكيف فهموا منه ذلك؟ فغاية ما فيه أنه رأى يديها، وقد كان ذلك في مرض أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- الذي مات فيه، فقد روى أبو بكر الشيباني في كتابه الأحاد والمثاني عن قيس بن أبي حازم قال: وفدت إلى أبي بكر مع أبي، فدخلنا عليه في مرضه الذي مات فيه، فرأيته رجلا أسمر، خفيف اللحم، ورأيت امرأة بيضاء موشومة اليدين تذب عنه. انتهى.
ومن المعلوم أن في مثل هذا الموقف يذهل المرء عن أشياء كثيرة، فكيف بالزوجة، وهي تعين زوجها في مرض الموت، ومن مثل هذه المواقف ما وقع مع عائشة وأم سليم -رضي الله عنهما- في غزوة أحد، فقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس -رضي الله عنه- قال: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر، وأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقزان القرب. وقال: غيره تنقلان القرب على متونهما، ثم تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم. وهذا لفظ البخاري.
فهل يقول أحد إنه يجوز للمرأة أن تبدي شيئا من ساقها استدلالا بهذا الأثر؟! فما كان جوابهم عن هذا الأثر يكون جوابنا عن أثر أسماء بنت عميس وهو ما قدمناه.
وأما زعمهم: (أن القول بوجوب النقاب إذا خيفت الفتنة ،قول خاطئ). فزعم باطل، فإن القائلين بعدم وجوب ستر الوجه واليدين من الحنفية، والمالكية يوجبون على المرأة سترهما عند فساد الزمان، والخوف من الفتنة.
قال ابن نجيم الحنفي -رحمه الله تعالى- في البحر الرائق أيضا: واعلم أنه لا ملازمة بين كونه ليس بعورة، وجواز النظر إليه. فحل النظر منوط بعدم خشية الشهوة، مع انتفاء العورة؛ ولذا حرم النظر إلى وجهها، ووجه الأمرد إذا شك في الشهوة، ولا عورة، كذا في شرح المنية، قال مشايخنا: تمنع المرأة الشابة من كشف وجهها بين الرجال في زماننا للفتنة. انتهى.
وقال ابن عابدين في حاشيته: والمعنى تمنع من الكشف لخوف أن يرى الرجال وجهها، فتقع الفتنة؛ لأنه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة. انتهى.
وقال النفراوي المالكي -رحمه الله تعالى- في كتابه الفواكه الدواني: اعلم أن المرأة إذا كان يخشى من رؤيتها الفتنة، وجب عليها ستر جميع جسدها حتى وجهها وكفيها، وأما إن لم يخش من رؤيتها ذلك، فإنما يجب عليها ستر ما عدا وجهها وكفيها. ثم قال: الذي يقتضيه الشرع وجوب سترها وجهها في هذا الزمان، لا لأنه عورة، وإنما ذلك لما تعورف عند أهل هذا الزمان الفاسد أن كشف المرأة وجهها يؤدي إلى تطرق الألسنة إلى قذفها، وحفظ الأعراض واجب كحفظ الأديان، والأنساب، وحرر المسألة. انتهى.
وقال الدردير في الشرح الصغير: ((و) عورة الحرة (مع رجل أجنبي): منها أي ليس بمحرم لها جميع البدن (غير الوجه والكفين): وأما هما فليسا بعورة وإن وجب عليها سترهما لخوف فتنة). اهـ.
وأما تعليلهم لعدم وجوب تغطية الوجه واليدين بقولهم: (لأن الرجال فتنة للنساء كذلك، وإذا كان الأمر كذلك، فيجب أن ينتقب الرجل أيضا). فتعليل غير صحيح؛ لأن الأصل أن النساء هن موضع الفتنة لا الرجال، وهن المأمورات بالحجاب لا الرجال، فكيف يسوى بينهما؟
وأما من خافت على نفسها الفتنة بالنظر للرجل، فعلاجها بغض بصرها لا بلبس النقاب للرجل، وقد سبق تفصيل القول في نظر المرأة للرجل في الفتوى رقم: 7997.
والله أعلم.