السؤال
بالنسبة للحديث الوارد في فضل بعض الأشياء المذكورة في المدينة، مثل: التمر والعجوة، فهل نأخذ من ذلك أن كل شيء في المدينة له بركة أم المذكور فقط؟ علما أن هناك أشياء مستوردة، فهل تدخل فيها؟
فنرجو التوضيح، وجزاكم الله من فضله.
بالنسبة للحديث الوارد في فضل بعض الأشياء المذكورة في المدينة، مثل: التمر والعجوة، فهل نأخذ من ذلك أن كل شيء في المدينة له بركة أم المذكور فقط؟ علما أن هناك أشياء مستوردة، فهل تدخل فيها؟
فنرجو التوضيح، وجزاكم الله من فضله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وردت أحاديث صحيحة في فضل المدينة وبركة ما فيها؛ وقد دعا لها النبي -صلى الله عليه وسلم- بالبركة، وأخبر أنها خير من غيرها، فقال -كما في الموطأ والصحيحين-: والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وقال: اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم اجعل مع البركة بركتين.. الحديث. رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: اللهم بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا ومدنا، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وإنه دعاك لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة ومثله معه. رواه مسلم.
فقد عمم -صلى الله عليه وسلم- الدعاء لها بالبركة بقوله: اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم اجعل مع البركة بركتين.. وهذا التعميم يشمل كل ما فيها، ثم عدد أشياء بعينها كمثال فقال: اللهم بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في صاعنا ومدنا..
ولذلك فإن بركة ما في المدينة ليست خاصة بالعجوة أو بغيرها مما ذكر؛ بل هي شاملة لكل ما تنتجه من ثمار ومحصول، وما فيها من ماء وهواء.. لشمول دعائه صلى الله عليه وسلم لها بالبركة في قوله: اللهم بارك لنا في ثمرنا، والثمر يشمل إنتاج الشجر والزرع والمال.. جاء في لسان العرب: "الثمر: حمل الشجر وأنواع المال..
ونفع العجوة إنما هو ببركة دعائه -صلى الله عليه وسلم- للمدينة؛ قال الحافظ في الفتح: "قال الخطابي: كون العجوة تنفع من السم والسحر إنما هو ببركة دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- لتمر المدينة، لا لخاصية في التمر"، وقال القسطلاني في إرشاد الساري: "فالمصير إلى أن ذلك من سر دعائه -صلى الله عليه وسلم- لتمر المدينة".
وقال ابن عبد البر في الاستذكار: "أما دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسل-م في حديث أنس بالبركة لأهل المدينة في مكيالهم وصاعهم ومدهم فالمعنى فيه -والله عز وجل أعلم-: صرف الدعاء بالبركة إلى ما يكال بالمكيال والصاع والمد من كل ما يكال، وهذا من فصيح كلام العرب، وأن يسمى الشيء باسم ما قرب منه، ولو لم تكن البركة في كل ما يكال وكانت في المكيال لم تكن في ذلك منفعة ولا فائدة... ودعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأهل المدينة مجاب كله -إن شاء الله عز وجل-... وتدرك بركة تلك الدعوة في قوله: "اللهم بارك لنا" كل من كان حيا مولودا في مدته، وكل من آمن به واتبعه من ساكني المدينة -إن شاء الله عز وجل-"
وقال الباجي في المنتقى: اللهم بارك لنا في ثمرنا ..ثم دعا لهم مع ذلك في مدينتهم، يريد -والله أعلم- في غير ذلك من مرافقها ومنافعها".
وجاء في حاشية السندي على سنن ابن ماجه: "وقال النووي: المراد البركة في نفس المكيل في المدينة بحيث يكفي المد فيها لمن لا يكفيه في غيرها، وهذا مشاهد محسوس باق فيها إلى الآن".
وأما ما كان مستوردا إليها من الخارج: فقد لا يشمله الدعاء الخاص بثمار المدينة، ولكنه قد يكون مشمولا بالدعاء العام لما فيها بالبركة.. وعلى هذا؛ يكون دعاؤه -صلى الله عليه وسلم- للمدينة شاملا لكل ما فيها من الثمار وغيرها، ولا يقتصر على ما جاء في العجوة.
والله أعلم.