السؤال
هل هناك دليل من القرآن الكريم، أو السنة على وجود كواكب المجموعة الشمسية؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فبداية: من الضروري أن نضع بين يدي السائل الكريم قاعدة ضرورية في هذا الموضوع -موضوع علاقة القرآن بالعلوم الطبيعية-، فنقول:
إن القرآن الكريم كتاب هداية، أنزله الله عز وجل لمقصد عظيم في حياة البشر، وهو هدايتهم إلى خالقهم، وكيف يعبدونه، وما هي مبادئ الأخلاق والقوانين التي ينبغي أن تحكم تعاملات الناس بعضهم مع بعض، فليس القرآن بكتاب علوم طبيعية، وإن حوى في هذا الصدد الكثير من الإشارات في مجال الطب، والفلك، والجيولوجيا... الخ.
قال تعالى: قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم [المائدة:15-16]، ولقد سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدورة الفلكية للقمر، وسبب كونها على هذا النحو في ظهورها، ونموها، وتناقصها، كما قال تعالى: يسألونك عن الأهلة... [البقرة:189]، فكانت الإجابة: قل هي مواقيت للناس والحج [البقرة:189]، فلم يحدثهم عن وظيفة القمر في المجموعة الشمسية، أو في توازن حركة الأجرام السماوية، مع أن ذلك كله داخل في مضمون هذا السؤال: لماذا خلق الله الأهلة، فما هو الإيحاء الذي ينشئه هذا الاتجاه في الإجابة؟
لقد عدل عن الإجابة (العلمية) التي لم يأت القرآن من أجلها، وليس مجالها القرآن؛ إذ القرآن قد جاء لما هو أكبر من تلك المعلومات الجزئية، ولم يجئ ليكون كتاب علم فلكي، أو كيماوي، أو طبي، كما يحاول بعض المتحمسين له أن يلتمسوا فيه هذه العلوم.
وقد يبلغ الحماس ببعض المتحمسين لهذا القرآن أن يحاولوا أن يضيفوا إليه ما ليس منه؛ كأنما ليعظموه بهذا، ويكبروه.
إن القرآن ليس في حاجة لذلك.. إن القرآن كتاب كامل في موضوعه، وموضوعه أضخم من تلك العلوم كلها؛ لأن موضوعه هداية الإنسان ذاته، الذي يكتشف هذه المعلومات، وينتفع بها، وأعظم بهذا من موضوع!!
ولكن مع هذا المقصد الأساسي لنزول القرآن، فإن القرآن الكريم يتعرض إلى الكون بما فيه من السماوات والأرض في أكثر من ألف آية؛ بهدف الاستشهاد بقدرة الخالق -عز وجل- غير المحدودة، وعلمه، وحكمته تعالى الذي خلق هذا الكون، والقادر أن يعيده كما بدأه تارة أخرى.
وقد حوت هذه الآيات عدة حقائق علمية، غير قابلة للجدل عن الكون؛ بما يبرهن للأجيال القادمة، التي سوف يكشف لها من العلوم ما لم يكشف لمن قبلها، أن القرآن هو كلام الله الموحى من الخالق عز وجل، كما قال تعالى: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد [فصلت:53].
ولكن لا بد أن ننتبه هاهنا إلى أنه من الخطأ البالغ أن نعلق تفسير الحقائق، والإشارات العلمية التي يذكرها القرآن بما يفترضه العقل البشري من نظريات علمية قد تصح وقد لا تصح، فحقائق القرآن حقائق نهائية قاطعة مطلقة.
أما ما يصل إليه البحث الإنساني عن طريق الفرض، والنظريات، فهو - ما لم يثبت ثبوتا قاطعا مزيلا لأي شك - حقائق غير نهائية، ولا قاطعة، وهي مقيدة بحدود عقل الإنسان، ومعارفه، وهي دائما قابلة للتغيير، والتعديل، والنقص، والإضافة، بل قابلة لأن تنقلب رأسا على عقب؛ بظهور أداة كشف جديدة، أو تفسير جديد؛ مما يجعل من انساق خلفها؛ ليفصل القرآن على مقاسها، في حاجة دائمة إلى التأويل المستمر، والتمحل، والتكلف في تفسير النصوص؛ كي توافق نظريات قد لا تثبت، وكل يوم يجد فيها جديد.
وإذا تقرر هذا؛ فقد ورد في القرآن العديد من الآيات تتحدث عن الكواكب، والنجوم، والشمس، والقمر، فقال تعالى: إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب [الصافات:6]، وقال تعالى: وإذا الكواكب انتثرت [الانفطار:2]، وقال جل وعلا: فلا أقسم بمواقع النجوم [الواقعة:75]، وقال جل جلاله: ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير [لقمان:29].
ومن الثابت علميا أن الأرض أحد كواكب تسعة، تدور حول الشمس، مكونة ما يسمى باسم المجموعة الشمسية، وهذه الكواكب تترتب في مدارات حول الشمس من الداخل إلى الخارج، كما يلي: عطارد، والزهرة، والأرض، والمريخ، والمشتري، وزحل، وأورانوس، ونبتون، وبلوتو.
ولكن ليس في القرآن، أو السنة -في حدود ما نعلم-، ما يدل صراحة على هذه المجموعة الشمسية، على النحو الذي قدمناه، وإنما جاء الحديث في ذلك عاما عن الكواكب، والنجوم، والأفلاك، وجريانها، ووظائفها، وأنها مربوبة لخالقها، مسخرة بأمره، خاضعة له، قال تعالى: ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء [الحج:18].
والله أعلم.