الغيبة محرمة سواء كانت في مسجد أو مصلى أو غيرهما

0 209

السؤال

نحن نساء عربيات مغتربات في ماليزيا، ولا يوجد في المبني الذي نقطنه -حسب رأي الأخوات- أماكن للاجتماع، ويوجد هناك مصلى لا يستخدم إلا نادرا بسبب وجود مساجد قريبة من المبنى، فحاليا يستعملنه للاجتماع والسهر والتحدث عن أمور النساء والدنيا كل يوم جمعة في الليل، ولا تخلو مجالسهن من الغيبة ومنكرات الحديث، وعندما أنكرت إحدى الأخوات عليهن، وأخبرتهن أنه بيت من بيوت الله، وحري بكن الاجتماع في بيوتكن متى تسنى ذلك، لم ينصتن لها!
فما رأيكم -وفقكم الله-؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإنه ينبغي التحقق أولا من حال هذا المصلى، فإن المصلى لا يعتبر مسجدا، ولا يأخذ حكم المسجد إلا إذا كان أهله  جعلوه مسجدا، وأذنوا بالصلاة فيه إذنا عاما، وفي هذه الحالة فإنه يعتبر وقفا، ويأخذ حكم المسجد ولو كان لا يستخدم إلا في بعض الأحيان. وأما إذا كان بعض أهل المبنى يجتمعون للصلاة فيه أحيانا فذلك لا يجعله مسجدا؛ فقد قال الإمام النووي -رحمه الله-: المصلى المتخذ للعيد وغيره، الذي ليس بمسجد، لا يحرم المكث فيه على الجنب والحائض على المذهب، وبه قطع الجمهور. والله أعلم. اهـ.

وقال الشمس الرملي في النهاية -بعد بيان استحباب تحية المسجد لداخله-: وخرج بالمسجد: الرباط، ومصلى العيد، وما بني في أرض مستأجرة على صورة المسجد وأذن بانيه في الصلاة فيه. انتهى.

وجاء في مواهب الجليل شرح مختصر خليل المالكي فيما يثبت به الوقف: ولو بنى مسجدا وأذن في الصلاة فيه, فذلك كالصريح؛ لأنه وقف, وإن لم يخص زمانا, ولا شخصا, ولا قيد الصلاة فيه بفرض ولا نفل, فلا يحتاج إلى شيء من ذلك, ويحكم بوقفيته. انتهى.

وجاء في منتهى الإرادات للبهوتي الحنبلي: (ويحصل) الوقف حكما (بفعل مع) شيء (دال عليه) أي: الوقف (عرفا) لمشاركته القول في الدلالة عليه (كأن يبني بنيانا على هيئة مسجد, ويأذن إذنا عاما في الصلاة فيه) ولو بفتح الأبواب, أو التأذين, أو كتابة لوح بالإذن, أو الوقف, قاله الحارثي, وكذا لو أدخل بيته في المسجد وأذن فيه, ولو نوى خلافه, نقله أبو طالب, أي: لا أثر لنية خلاف ما دل عليه الفعل. اهـ.

وإذا كان المصلى وقفا فإنه لا حرج أن يعمل فيه كل ما كان فيه مصلحة للإسلام والمسلمين، ويشمل ذلك اجتماعات النساء لمدارسة ما يهمهن وتحدثهن بما هو مشروع. وإذا كان غير وقف فيجوز ذلك من باب أولى؛ فقد روى البخاري، ومسلم: أن عمر -رضي الله عنه- مر بحسان وهو ينشد في المسجد فلحظ إليه، فقال: قد كنت أنشد فيه، وفيه من هو خير منك -يعني: رسول الله -صلى الله عليه وسلم--. 
 وإذا حصل الاجتماع فاحرصن على الاشتغال بالتعلم، ومدارسة القرآن، وإلقاء المواعظ؛ فقد قال تعالى في شأن المساجد: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال* رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار {النــور: 36، 37}.
 وروى الإمام مسلم من حديث أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في شأن المساجد: إنما هي لذكر الله -عز وجل-، والصلاة، وقراءة القرآن.

قال في عون المعبود: بل بنيت لذكر الله، والصلاة، والعلم، والمذاكرة في الخير، ونحوها. اهـ.

ويمنع ما أدى إلى الغيبة في أي مكان، سواء كان مسجدا أم لا؛ لأن الغيبة أمر محرم، نهى الله تعالى عنه في كتابه، حيث قال تعالى: ولا يغتب بعضكم بعضا (الحجرات: من الآية12). وقال -صلى الله عليه وسلم-: لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم. رواه أبو داود. ومعناه أيضا في مسند الإمام أحمد.

ويمنع في المسجد ما أدى إلى اللغط وارتفاع الأصوات؛ فإن ذلك منهي عنه فيما رواه مسلم وغيره عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم -ثلاثا-، وإياكم وهيشات الأسواق".

ومن هيشات الأسواق، كما قال النووي -رحمه الله-: (ارتفاع الأصوات واللغط والإنشاد جماعة في المسجد داخل في هذا. والله أعلم).

 وجاء في الجامع لأحكام القرآن: ومما تصان عنه المساجد وتنزه عنه: الروائح الكريهة، والأقوال السيئة، وغير ذلك على ما نبينه، وذلك من تعظيمها. انتهى.
وراجعي في حديث الدنيا في المسجد الفتوى رقم: 126039.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة