السؤال
هل التقصير يمنع من الدعوة إلى الله؟ وإذا كان يمنع فهل هذا يصبح حجة لقفل باب الدعوة؟ ولكن إذا قلت أدعو ولو كنت مقصرا فقد نفتقر للقدوة، وهذه من العقبات الكبرى أمام الدعوة؟
هل التقصير يمنع من الدعوة إلى الله؟ وإذا كان يمنع فهل هذا يصبح حجة لقفل باب الدعوة؟ ولكن إذا قلت أدعو ولو كنت مقصرا فقد نفتقر للقدوة، وهذه من العقبات الكبرى أمام الدعوة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمقام الدعوة إلى الله مقام عظيم، قال الله تعالى: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين [يوسف:108]. فهو سبيل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأتباعه إلى يوم الدين.
ومن الصفات الضرورية التي ينبغي أن يتحلى بها الداعية: أن يكون قدوة فيما يأمر به.. قدوة فيما ينهى عنه، وإلا زلت موعظته عن القلوب كما يزل الماء عن الحجر، وضعف تأثيرها جدا في المدعو.
وفي بعض الكتب السالفة: إذا أردت أن تعظ الناس فعظ نفسك، فإن اتعظت وإلا فاستحي مني.
وقال بعضهم:
وغير تقي يأمر الناس بالتقى طبيب يداوي الناس وهو سقيم
وقال آخر:
يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهيت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما تقول ويقتدى بالقول منك وينفع التعليم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
وقال رجل لابن عباس: أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فقال له ابن عباس: إن لم تخش أن تفضحك هذه الآيات الثلاث فافعل، وإلا فابدأ بنفسك، ثم تلا: أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون [البقرة:44]. وقوله تعالى: كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون [الصف:3]. وقوله تعالى حكاية عن شعيب عليه السلام: وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه [هود: 88].
ومع هذا كله؛ فيجب على الإنسان أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الله، وتقصيره في دينه ليس عذرا له في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، ولو لم يعظ إلا معصوم من الزلل لم يعظ الناس بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحد، لأنه لا عصمة لأحد بعده.
لئن لم يعظ العاصين من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمد
قيل للحسن: إن فلانا لا يعظ ويقول: أخاف أن أقول ما لا أفعل، فقال الحسن: وأينا يفعل ما يقول، ود الشيطان أنه ظفر بهذا فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر.
وقال مالك عن ربيعة: قال سعيد بن جبير: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر، قال مالك: وصدق! ومن ذا الذي ليس فيه شيء.
من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط
خطب عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- يوما فقال في موعظته: إني لأقول هذه المقالة وما أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما أعلم عندي، فأستغفر الله وأتوب إليه.
وكتب إلى بعض نوابه على بعض الأمصار كتابا يعظه فيه وقال في آخره: وإني لأعظك بهذا، وإني لكثير الإسراف على نفسي، غير محكم لكثير من أمري، ولو أن المرء لا يعظ أخاه حتى يحكم نفسه إذا لتواكل الخير، وإذا لرفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا لاستحلت المحارم، وقل الواعظون والساعون لله بالنصيحة في الأرض.
وهذا محمول منهم -رضي الله عنهم- على هضم أنفسهم؛ وإلا فقد كانوا أئمة هدى ومصابيح دجى، ونحن علينا أن نسدد ونقارب، ونحاول أن نكون قدوة لغيرنا، فإن غلبتنا أنفسنا وظفر الشيطان منا ببعض الأمور، فليس ذلك عذرا لترك الدعوة إلى الله.
والله أعلم.