السؤال
لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ـ وردت في أكثر من موضع من القرآن الكريم بألفاظ مختلفة: لا، فلا، ألا... فهل ذهاب الخوف والحزن المقصود في هذه الآيات يشمل الدنيا والآخرة؟ أم يخص الآخرة؟.
لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ـ وردت في أكثر من موضع من القرآن الكريم بألفاظ مختلفة: لا، فلا، ألا... فهل ذهاب الخوف والحزن المقصود في هذه الآيات يشمل الدنيا والآخرة؟ أم يخص الآخرة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبعض المفسرين خصص مثل قوله تعالى: ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ـ بنفي الخوف فيما يستقبلونه من أمور الآخرة، ونفي الحزن على ما فاتهم من أمور الدنيا، وبعضهم عمم نفي الخوف والحزن عليهم في الدنيا والآخرة، فقد قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره: قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون {البقرة: 38ـ 39}.
يقول تعالى مخبرا عما أنذر به آدم وزوجته وإبليس حتى أهبطهم من الجنة، والمراد الذرية: أنه سينزل الكتب، ويبعث الأنبياء والرسل، كما قال أبو العالية: الهدى الأنبياء والرسل والبيان، وقال مقاتل بن حيان: الهدى محمد صلى الله عليه وسلم، وقال الحسن: الهدى القرآن، وهذان القولان صحيحان، وقول أبي العالية أعم: فمن تبع هداي ـ أي: من أقبل على ما أنزلت به الكتب وأرسلت به الرسل: فلا خوف عليهم ـ أي: فيما يستقبلونه من أمر الآخرة: ولا هم يحزنون ـ على ما فاتهم من أمور الدنيا. انتهى.
وقال أيضا: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم {يونس:62ـ64} يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون كما فسرهم ربهم، فكل من كان تقيا كان لله وليا: أنه: لا خوف عليهم ـ أي فيما يستقبلون من أهوال القيامة: ولا هم يحزنون ـ على ما وراءهم في الدنيا. انتهى.
وفي التحرير والتنوير لابن عاشور عند تفسير قول الله تعالى: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون {274}.
قال رحمه الله: وقوله: ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ـ مقابل قوله: وما للظالمين من أنصار {البقرة: 270} إذ هو تهديد لمانعي الصدقات بإسلام الناس إياهم عند حلول المصائب بهم، وهذا بشارة للمنفقين بطيب العيش في الدنيا فلا يخافون اعتداء المعتدين، لأن الله أكسبهم محبة الناس إياهم، ولا تحل بهم المصائب المحزنة إلا ما لا يسلم منه أحد مما هو معتاد في إبانه، أما انتفاء الخوف والحزن عنهم في الآخرة، فقد علم من قوله: فلهم أجرهم عند ربهم. انتهى.
وعند قوله تعالى: يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون {الأعراف:35}.
قال أيضا: أي لا خوف عليهم من عقوبة الله في الدنيا والآخرة: ولا هم يحزنون ـ من شيء من ذلك، فالخوف والحزن المنفيان هما ما يوجبه العقاب، وقد ينتفي عنهم الخوف والحزن مطلقا بمقدار قوة التقوى والصلاح، وهذا من الأسرار التي بين الله وعباده الصالحين، ومثله قوله تعالى: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة {يونس: 62ـ 64}. انتهى.
والله أعلم.