السؤال
أود أن أستشيركم في موضوع يؤرقني منذ شهر ولا أجد له حلا: سافرت للعمل بالسعودية بما يسمي الفيزا الحرة للعمل في شركات الأدوية
ولكنني للأسف صدمت حين تقدمت للشركات، فكلها تعمل بنظام الرشوة الطبية، وقد بحثت طويلا عن شركة نظيفة فلم أجد، وحين سألت زملائي الذن يعملون في هذا المجال برروا ما يفعلون على أنها رشوة لأخذ حقوقهم في البيع، حيث إنهم إن لم يدفعوا للطبيب، فلن يكتب الأدوية التابعة لشركتهم على الرغم من فاعليتها وسعرها المناسب في حين أن جميع المنافسين يفعلون المثل بإعطاء الأطباء مثل تلك الرشاوي، واستشهدوا بفتاوى تجوز إعطاء الرشوة لأخذ الحقوق وأن الذنب على من أخذ الرشوة وليس على المعطي، وحين سألت أحد الزملاء الملتزمين والذي يعمل أيضا في هذا المجال، أجابني بأنه على علم بأنها حرام ولكنه لم يجد بديلا لها، وحين سألت عن الراتب الذي يأخذه من الشركة ومدى حرمته، أجابني بأنه يأخذه مقابل زياراته للأطباء بينما الرشوة الطبيه تترتب عليها العمولة والتي يأخذها ويخرجها للفقراء ولا يستفيد بها، ولكنه لا يستطيع التوقف عن إعطاء تلك الرشوة حيث سيتوقف الأطباء عن وصف الدواء ويفقد وظيفته، فما مدى جواز هذا الفعل؟ وما مدى حرمة المال المتحصل عليه سواء الراتب أو العمولة؟ وهل تعتبر العزائم على الطعام لمناقشة الدواء مع الأطباء أو إعطائهم بعض الهدايا البسيطة كالأقلام والمفكرات أو الأجندات من الرشوة أيضا؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في الرشوة هو كونها محرمة، بل هي من كبائر الذنوب، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: لعن الراشي والمرتشي. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
فيحرم طلبها وبذلها ولا سيما للأطباء، لأن ذلك يفضي في الغالب إلى وقوعهم في المحاذير الشرعية، فقد يصفون الدواء لمن لا يحتاج إليه، أو يصفونه للمرضى بأوصاف لا يشتمل عليها، أو يكون غيره من الأدوية أجود منه وأنفع للمريض فيعدل الأطباء عن وصفه لما حصل من الرشوة لهم، ثم إن الطبيب إن كان عاملا لدى غيره فهو يتقاضى أجرا على عمله وليس له طلب شيء من المرضى أو الصيادلة على ذلك العمل، ولو كان عاملا لنفسه، فيلزمه نصح المرضى أيضا بكتابة ما هو النافع لهم، وليس له كتابة دواء قليل الفائدة أو غالي الثمن محاباة لأصحابه لكونهم بذلوا له هدايا وهبات فهذا محرم، فإن سلم من ذلك فالمصلحة تقتضي سد ذلك الباب أيضا، لئلا يكون سببا لغش المرضى والطمع والجشع والفساد، والمندوب وموزع الأدوية من باب أولى في حرمة بذل الرشوة أو التوسط فيها بين جهة عمله والطبيب، فهو رائش، وقد روى الإمام أحمد عن ثوبان قال: لعن رسول الله الراشي والمرتشي والرائش.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: بخصوص العمل في شركات الدعاية، بالنسبة لمندوبي الشركات، أصبحت الآن بعض الشركات ـ أو معظمها ـ يعمل بطريقة الهدية أو الرشوة، كما سبق، والمندوب أصبح يخشى على موقعه في الشركة إذا لم يفعل ذلك، كما أن أغلبية الأطباء لن يكتب دواءه للمريض بسبب عدم إحضار هدية، ويكتب دواء من يقدم الهدية وبالتالي يضطر إلى مجاراة الشركات الأخرى في مسألة الهدية هذه، فما الحكم؟ هل هو مضطر بسبب خوفه على الوظيفة أم لا؟ وخصوصا ربما يكون عليه التزامات مادية يجب أداؤها، فكان الجواب: مندوب الشركة الذي يقدم الهدايا للأطباء من أجل ترويج أدوية تلك الشركة دون غيرها يعتبر رائشا، وهذا الوسيط بين الراشي والمرتشي، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الثلاثة، فقال عليه الصلاة والسلام: مسند أحمد بن حنبل: 5ـ279 ـ لعن الله الراشي والمرتشي والرائش. وبالله التوفيق.
وأما دعوة الأطباء لتعريفهم على الجديد في الأدوية وفعل عشاء أوتوزيع مذكرات وأقلام ونحو ذلك مما هو معتاد ولا يقصد به التأثير على الطبيب وكسب وده بمحاباته لفاعل ذلك دون غيره: فلا يدخل في الرشوة المحرمة، لأنها هي ما يتوصل به المرء إلى إحقاق باطل أو إبطال حق أو أخذ ما ليس له.
والله أعلم.