السؤال
ما حكم أحلام اليقظة؟ الرجاء نشر الإجابة على صفحة فتاوى؟ وجزاكم الله خيرا...
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأحلام اليقظة اسم مركب من شيئين متناقضين: حلم وهو ما يراه النائم، ويقظة وهي ضد النوم. وشاع إطلاق هذا المصطلح المحدث في زماننا على ما يدور في خلجات النفس من حديث وأماني، فالحكم على أحلام اليقظة حينئذ حكم على ما يتعلق بما يحدث الإنسان به نفسه ويتمناه.
وقد عرف علماء اللغة الأماني بما يلي: ففي لسان العرب 15/294: قال أبو العباس أحمد بن يحيى: التمني: حديث النفس بما يكون وبما لا يكون.
وقال ابن الأثير: التمني: تشهي حصول الأمر المرغوب فيه وحديث النفس بما يكون ومالا يكون.
وقد عرف علماء النفس أحلام اليقظة بأنها عبارة عن تفكير متمن يحقق من خلاله الإنسان إشباعا لرغباته ودوافعه التي يعجز عن تحقيقها في الواقع، فهو عبارة عن هروب من مشاكل الواقع وقساوته إلى عالم خيالي بحت، فقد يرى المرء نفسه بطلا مشهورا ويتمنى أن يكون كذلك في الواقع، أو زعيما أو غير ذلك, وأحلام اليقظة تحدث في جميع مراحل العمر تقريبا.
والسؤال: هل يعاقب الإنسان أو يثاب على ما يحدث به نفسه ويتمناه من خير أو شر؟ فيه تفصيل يأتي بيانه بعون الله وتوفيقه.
يقول ابن مفلح في الآداب الشرعية 1/ 98: فصل في ميل الطبع إلى المعصية والنية والعزم والإرادة لها وما يعفى عنه من ذلك.
قال في الرعاية: وميل الطبع إلى المعصية بدون قصدها ليس إثما فظاهر،هذا أنه لو قصد المعصية آثم، وإن لم يصدر منه فعل ولا قول.
قال الشيخ تقي الدين: حديث النفس يتجاوز الله عنه إلى أن يتكلم فهو إذا صار نية وعزما وقصدا ولم يتكلم فهو معفو عنه.
وقال في موضع آخر: الإرادة الجازمة للفعل مع القدرة التامة توجب وقوع المقدور ... ومن جهة ظن انتفاء اللازم غلط غالطون كما غلط آخرون في جواز وجود إرادة جازمة مع القدرة التامة بدون الفعل، حتى تنازعوا: هل يعاقب على الإرادة بلا عمل؟ قال: وقد بسطنا ذلك في غير هذا الموضع وبينا: أن الهمة التي لم يقترن بها فعل ما يقدر عليه الهام، ليست إرادة جازمة، وأن الإرادة الجازمة لا بد أن يوجد معها ما يقدر عليه العبد، والعفو وقع عمن هم بسيئة ولم يعملها، لا عمن أراد، وفعل المقدور عليه وعجز عن قيام حصول مراده، كالذي أراد قتل صاحبه فقاتله حتى قتل أحدهما، فإن هذا يعاقب؛ لأنه أراد وفعل المقدور من المراد اهـ.
وقال العز بن عبد السلام في كتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام 1/ 140: ولا عقاب على الخواطر ولا حديث النفس لغلبتها على الناس، ولا على ميل الطبع إلى الحسنات والسيئات، إذ لا تكليف بما يشق اجتنابه مشقة فادحة ولا بما لا يطيق فعله ولا تركه، ومبدأ التكليف العزوم والقصود، فالعزم على الحسنات حسن وعلى السيئات قبيح وعلى المباح مأذون.
وقد فصل الإمام بدر الدين الزركشي يرحمه الله الكلا م عن حديث النفس بما لا مزيد عليه فقال في كتابه القواعد الفقهية 2/ 34:
حديث النفس له خمس مراتب:
الأول: (الهاجس) وهو ما يلقى فيها ولا مواخذة به بالإجماع لأنه وارد من الله تعالى لا يستطيع العبد دفعه.
الثانية: (الخاطر) وهو جريانه فيها.
الثالثة: (حديث نفس) وهو ما يقع مع التردد هل يفعل أو لا؟ وهذان أيضا مرفوعان على الصحيح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها مالم تتكلم أو تعمل به.
فإذا ارتفع حديث النفس ارتفع ما قبله بطريق الأولى.
ثم نقل خلافا عن الأصحاب قال بعده: فتحصلنا على ثلاثة أوجه، والصحيح عدم المؤاخذة مطلقا.
قال المحققون: وهذه المراتب الثلاثة أيضا لو كانت في الحسنات لم يكتب له بها أجره، أما الأول فظاهر وأما الثاني والثالث فلعدم القصد.
الربعة: (الهم) وهو ترجيح قصد الفعل وهو مرفوع على الصحيح، لقول الله تعالى: إذ همت طآئفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون [آل عمران:22]. ولو كانت مؤاخذة لم يكن الله وليهما، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه. رواه مسلم وغيره.
الخامسة: (العزم) وهو قوة القصد والجزم وعقد القلب وهذا يؤاخذ به عند المحققين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟! قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه. متفق عليه.
فعلل بالحرص، وللإجماع على المؤاخذة بأعمال القلوب كالحسد, وذهب آخرون إلى أنه مرفوع كالهم لعموم حديث (التجاوز) عن حديث النفس، وأجابوا عن حديث الحرص بأنه قارنه فعل، وسبق عن العبادي ترجيحه وهذا هو ظاهر كلام الشافعي رحمه الله إلى أن قال: وإذا تعلق هذا النوع بالخير أثيب عليه. انتهى
وهذا هو الذي نصره شيخ الإسلام كما تقدم عنه في نقل ابن مقلح في الآداب الشرعية. وراجع لمزيد الفائدة عن الخلاف في هذه المسألة الفتوى رقم: 71816.
والله أعلم.