السؤال
ما حكم قول إن هذه فلانة حسدتني وأنا متاكدة لأنها تكرهني؟ وأطلب من إخوتي أن يأخذوا من بقاياها، ودائما أصفها بالحسودة.
ما حكم قول إن هذه فلانة حسدتني وأنا متاكدة لأنها تكرهني؟ وأطلب من إخوتي أن يأخذوا من بقاياها، ودائما أصفها بالحسودة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز الاتهام للناس بالحسد من دون اعتماد على دليل معتبر، ولا يعتبر ظنك أن فلانة تكرهك دليلا كافيا على حسدها لك، ولكنه يشرع إذا علمت باليقين أن شخصا ما أصابك بالعين أن تطلبي منه أن يغتسل، وتغتسلي بالماء الذي اغتسل به، ويتعين عليه أن يستجيب لطلبك؛ لما في الحديث: العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا. رواه مسلم.
وننصحك بالاستعاذة بالله من الشر كله، والتحصن بالأذكار الصباحية والمسائية، وسؤال الله العافية، ومن ذلك قراءة الإخلاص والمعوذتين ثلاثا، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أن من قالها حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات تكفيه من كل شيء. كما في الترمذي وأبى داود وثبت عنه أنه قال: قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ما تعوذ الناس بأفضل منهما. كما في سنن النسائي. وثبت عنه أنه كان يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان فأخذ بهما وترك ما سواهما. كما في سنن الترمذي والنسائي وابن ماجه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا: ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات لم يضره شيء. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي. رواه أبو داود.
وقال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه بدائع الفوائد في بيان أسباب الوقاية من الحسد:
السبب الأول: التعوذ بالله واللجوء إليه، والتحصن به، وما تعوذ المسلم بأفضل من المعوذتين: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس.
السبب الثاني: تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه، فمن اتقى الله تولى الله حفظه، ولم يكله إلى غيره، قال تعالى: وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط [آل عمران:120]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: احفظ الله يحفظك. رواه الترمذي.
السبب الثالث: الصبر على الحاسد، فما نصر على حاسد بمثل الصبر عليه.
السبب الرابع: التوكل على الله، والتوكل أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق.
السبب الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به، والفكر فيه، وأن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر له، فلا يلتفت إليه ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفكر فيه، وهذا من أقوى الأدوية.
السبب السادس: الإقبال على الله، والإخلاص له، وجعل محبته ورضاه محل خواطر نفسه وأمانيها.
السبب السابع: تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه، قال تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم [الشورى:30].
السبب الثامن: الصدقة والإحسان فإن لذلك تأثيرا عجيبا في دفع البلاء ودفع العين وشر الحاسد.
السبب التاسع: إطفاء شر الحاسد بالإحسان إليه، قال تعالى: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم [فصلت:34].
السبب العاشر: والجامع لذلك كله، وعليه مدار هذه الأسباب هو تجريد التوحيد، والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب الله العزيز الحكيم.
والعلم أن كل ذلك بيد الله يحركه كيف شاء، ولا ينفع إلا بإذنه، قال تعالى: وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو [الأنعام:17]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. رواه الترمذي. فإذا جرد العبد التوحيد فقد خرج من قلبه خوف ما سواه، وكان عدوه أهون عليه من أن يخافه مع الله؛ بل يفرد الله بالمخافة، وقد أمنه منه وخرج من قلبه اهتمامه به واشتغاله به وفكره فيه... انتهى باختصار
والله أعلم.