السؤال
أرى بعض الشيوخ يلعنون بعض الحكام؛ لكونهم ظالمين، ويقولون: الملعون بإذن الله فلان. فهل الظلم سبب في جعل الإنسان ملعونا؟ وما دليل ذلك؟ وهل هناك أعمال أخرى تجعل الإنسان ملعونا؟
أرى بعض الشيوخ يلعنون بعض الحكام؛ لكونهم ظالمين، ويقولون: الملعون بإذن الله فلان. فهل الظلم سبب في جعل الإنسان ملعونا؟ وما دليل ذلك؟ وهل هناك أعمال أخرى تجعل الإنسان ملعونا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الظلم حرام، وصاحبه متوعد باللعن؛ يقول الله -عز وجل-: ألا لعنة الله على الظالمين * الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا {هود: 18-19}.
ومن الأعمال المتوعد عليها باللعن: الموت على الكفر -والعياذ بالله-، كما قال سبحانه وتعالى: إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين {البقرة : 161}.
ومنها: كتمان العلم؛ قال تعالى: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون {البقرة: 159}.
ومنها: انتساب الشخص إلى غير أبيه؛ روى الشيخان من حديث علي -رضي الله عنه-، وفيه: ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا.
ومنها: ارتكاب الظلم في المدينة المنورة أو إيواء الظالمين فيها؛ روى البخاري، ومسلم من حديث علي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل. قال الحافظ في الفتح: والمراد بالحدث والمحدث: الظلم والظالم على ما قيل، أو ما هو أعم من ذلك.
ومنها: عدم حكم الأئمة بالعدل، وعدم وفائهم بالعهد؛ روى الإمام أحمد في المسند عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام على باب بيت رجل من الأنصار فقال: الأئمة من قريش، إن لهم عليكم حقا، ولكم عليهم حقا مثل ذلك، ما إن استرحموا فرحموا، وإن عاهدوا وفوا، وإن حكموا عدلوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. والحديث صححه الألباني -رحمه الله تعالى- في السلسلة الصحيحة، وكذا شعيب الأرناؤوط في تخريجه لمسند الإمام أحمد قال: صحيح بمجموع طرقه.
واعلم أن نصوص الوعد والوعيد لها شروط وموانع، فإذا حصلت الشروط، وانتفت الموانع، حصل الوعد والوعيد. وإذا تخلف شرط، أو وجد مانع، فإنه قد يوجد العكس.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في مجموع الفتاوى: وتناول نصوص الوعد للشخص مشروط بأن يكون عمله خالصا لوجه الله، موافقا للسنة؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قيل له: الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل ليقال، فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله. وكذلك تناول نصوص الوعيد للشخص مشروط بألا يكون متأولا، ولا مجتهدا مخطئا؛ فإن الله عفا لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان. انتهى.
وقال أيضا -رحمه الله-: والذي عليه أهل السنة والجماعة الإيمان بالوعد والوعيد، فكما أن ما توعد الله به العبد من العقاب قد بين سبحانه أنه بشروط: بأن لا يتوب، فإن تاب، تاب الله عليه. وبأن لا يكون له حسنات تمحو ذنوبه؛ فإن الحسنات يذهبن السيئات، وبأن لا يشاء الله أن يغفر له؛ {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}. فهكذا الوعد له تفسير وبيان؛ فمن قال بلسانه: لا إله إلا الله، وكذب الرسول، فهو كافر باتفاق المسلمين. وكذلك إن جحد شيئا مما أنزل الله؛ فلا بد من الإيمان بكل ما جاء به الرسول. ثم إن كان من أهل الكبائر فأمره إلى الله؛ إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. فإن ارتد عن الإسلام ومات مرتدا، كان في النار. فالسيئات تحبطها التوبة، والحسنات تحبطها الردة. ومن كان له حسنات وسيئات، فإن الله لا يظلمه، بل من يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره. والله تعالى قد يتفضل عليه ويحسن إليه بمغفرته ورحمته. ومن مات على الإيمان فإنه لا يخلد في النار. انتهى.
ثم إن لعن الشخص المعين لا يجوز -على الراجح-؛ فقد قال العلامة البجيرمي الشافعي: اعلم أن لعن المسلم المعين حرام بإجماع المسلمين. انتهى.
وقال ابن حجر الهيتمي في الزواجر: فالمعين لا يجوز لعنه وإن كان فاسقا. اهـ.
وفي الصحيحين وغيرهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من حلف على ملة غير الإسلام فهو كما قال، وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك، ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة، ومن لعن مؤمنا فهو كقتله، ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله.
وفي سنن أبي داود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن، فإن كان لذلك أهلا، وإلا رجعت على قائلها.
وروى الطبراني بإسناد جيد عن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه رأينا أن قد أتى بابا من الكبائر.
وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: كان أهل العلم يختارون فيمن عرف بالظلم ونحوه مع أنه مسلم له أعمال صالحة في الظاهر -كالحجاج بن يوسف، وأمثاله- أنهم لا يلعنون أحدا منهم بعينه، بل يقولون كما قال الله تعالى: ألا لعنة الله على الظالمين. فيلعنون من لعنه الله ورسوله عاما، كقوله صلى الله عليه وسلم: لعن الله الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وبائعها، ومشتريها، وساقيها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها. ولا يلعنون المعين. كما ثبت في صحيح البخاري وغيره: أن رجلا كان يدعى حمارا وكان يشرب الخمر، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجلده، فأتي به مرة، فلعنه رجل، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا تلعنه؛ فإنه يحب الله ورسوله. وذلك لأن اللعنة من باب الوعيد، والوعيد العام لا يقطع به للشخص المعين لأحد الأسباب المذكورة: من توبة، أو حسنات ماحية، أو مصائب مكفرة، أو شفاعة مقبولة، وغير ذلك.. وطائفة من العلماء يلعنون المعين كيزيد، وطائفة بإزاء هؤلاء يقولون: بل نحبه لما فيه من الإيمان الذي أمرنا الله أن نوالي عليه؛ إذ ليس كافرا، والمختار عند الأمة: أنا لا نلعن معينا مطلقا، ولا نحب معينا مطلقا. انتهى.
والله أعلم.