لماذا يضع نبي الله عيسى الجزية بعد نزوله آخر الزمان؟

0 260

السؤال

لماذا يضع نبي الله عيسى عليه السلام الجزية بعد نزوله آخر الزمان؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها. متفق عليه.

والسبب لعدم أخذه الجزية من أهل الكتاب أن مشروعية أخذ الجزية ينتهي بنزول عيسى عليه السلام؛ لأنه يحصل بنزوله إيمانهم، أو انقطاع شبهة دعواهم التمسك بدين أنبياء أهل الكتاب، فإذا جاء عيسى، وكذبهم، بطلت الدعوى، فلم تقبل الجزية، فقد قال الله  تعالى: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا {النساء:159}، قال ابن كثير في تفسيره: قال ابن جرير: وأولى هذه الأقوال بالصحة القول الأول، وهو أنه لا يبقى أحد من أهل الكتاب بعد نزول عيسى -عليه السلام- إلا آمن به قبل موته، أي: قبل موت عيسى -عليه السلام-، ولا شك أن هذا الذي قاله ابن جرير -رحمه الله- هو الصحيح؛ لأنه المقصود من سياق الآي في تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه، وتسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة ذلك، فأخبر الله أنه لم يكن الأمر كذلك، وإنما شبه لهم، فقتلوا الشبيه، وهم لا يتبينون ذلك، ثم إنه رفعه إليه، وإنه باق حي، وإنه سينزل قبل يوم القيامة، كما دلت عليه الأحاديث المتواترة ـ التي سنوردها إن شاء الله قريبا ـ فيقتل مسيح الضلالة، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية ـ يعني: لا يقبلها من أحد من أهل الأديان، بل لا يقبل إلا الإسلام، أو السيف ـ فأخبرت هذه الآية الكريمة أنه يؤمن به جميع أهل الكتاب حينئذ، لا يتخلف عن التصديق به واحد منهم. اهـ

وقال العراقي في طرح التثريب: قوله: ويضع الجزية، قال النووي: الصواب في معناه أنه لا يقبلها, ولا يقبل من الكفار إلا الإسلام, ومن بذل منهم الجزية لم يكف عنه بها، بل لا يقبل إلا الإسلام، أو القتل، هكذا قاله الخطابي, وغيره من العلماء ...

السادسة: إن قلت: كيف يضع السيد عيسى الجزية، مع أن حكم الشرع وجوب قبولها من أهل الكتاب، قال الله تعالى: حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. فكيف يحكم بغير هذه الشريعة, وهو خلاف ما قررتم من أنه لا يحكم إلا بهذه الشريعة؟

(قلت): قال النووي: جوابه أن هذا الحكم ليس مستمرا إلى يوم القيامة، بل هو مقيد بما قبل نزول عيسى, وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث الصحيحة بنسخه, وليس عيسى هو الناسخ، بل نبينا هو المبين للنسخ، فإن عيسى يحكم بشريعتنا، فدل على أن الامتناع من قبول الجزية في ذلك الوقت هو شرع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. انتهى.

السابعة: فإن قلت: ما المعنى في تغيير حكم الشرع عند نزول عيسى في قبول الجزية؟

(قلت): يظهر لي أن قبول الجزية من اليهود، والنصارى لشبهة ما بأيديهم من التوراة، والإنجيل، وتعلقهم بزعمهم بشرع قديم، فإذا نزل عيسى زالت تلك الشبهة لحصول معاينته، فصاروا كعبدة الأوثان في انقطاع شبهتهم، وانكشاف أمرهم، فعوملوا معاملتهم في أنه لا يقبل منهم إلا الإسلام, والحكم يزول بزوال علته, وهذا معنى حسن مناسب، لم أر من تعرض له, وهو أولى مما ذكره ابن بطال, والله أعلم. انتهى كلام العراقي.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة