الحكمة من النهي عن كف الشعر، وحكم أكل التمساح

0 647

السؤال

عندي ثلاث مسائل:
الأولى: فهم سؤالي بالخطأ، أنا لم أقل إن أبي ينهى عن الصلاة، بل الرجل يخشى الله، ويأمرنا بالصلاة، ولكن يظلمني في أمور الدنيا .. مثال إذا حدثت، قال: لا تحدث بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يعلم أني أحفظ من الأحاديث ما يسر لي ربي، وعصبي معي يرفع علي صوته، ثم أتشاجر معه، وأنا الآن بين نارين: بين نار ربي، ونار أبي، وأنا الآن تارك للصلاة.
فبماذا تنصحوني جزاكم الله خيرا.
الثانية: ما صحة أن كل شعر طويل من رأس الرجل، إذا سجد لله، له بكل شعرة حسنة؟
الثالثة: ما حكم أكل التمساح هل هو حلال أو حرام؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن ظلم الوالد -إن ثبت وقوعه- لا يسوغ مقابلته بالتشاجر معه؛ لأن حق الوالدين عظيم حتى ولو كانا كافرين، فكيف إذا كانا مسلمين! قال الله تعالى: ووصينا الأنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير* وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون [لقمان:14-15].

ولهذا نوصيك بالصبر والتحمل، والاجتهاد في إرضاء والدك، والدعاء له بالهداية والصلاح والاستقامة، فإنه من أعظم الناس حقا عليك، وقد يكون منعك من الحديث؛ لما يخافه عليك من الخطأ في الحديث. فعالج الأمر بمحاورته برفق. وإن كنت صححت محفوظاتك على بعض العلماء المعتبرين، فبين له ذلك حتى يثق بعلمك، واحرص على الأدب معه، وخفض الجناح عند خطابك له ولو كان الحق معك، فأنكر عليه بأسلوب لين سهل.

فقد ذكر القرافي في كتابه: الفروق، بعض المسائل التي تتعلق بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وكان مما ذكر قوله:

المسألة والأولى: أن الوالدين يؤمران بالمعروف، وينهيان عن المنكر، قال مالك: ويخفض لهما في ذلك جناح الذل من الرحمة. انتهى.

وجاء في كتاب الآداب الشرعية لابن مفلح: فصل في أمر الوالدين بالمعروف، ونهيهما عن المنكر، قال أحمد في رواية يوسف بن موسى: يأمر أبويه بالمعروف، وينهاهما عن المنكر، وقال في رواية حنبل: إذا رأى أباه على أمر يكرهه، يعلمه بغير عنف، ولا إساءة، ولا يغلظ له في الكلام، وإلا تركه، وليس الأب كالأجنبي. انتهى.

واعلم أن الطريق إلى كسب قلب والدك، وإصلاح ما بينك وبينه، سهل ميسور، وما عليك إلا أن تجتهد في الإحسان إليه، فقد قال الله تعالى: ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون [المؤمنون:96]. وقال جل جلاله: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم [فصلت:34].

فأرشد الله إلى أن نقابل إساءة من أساء إلينا بالإحسان إليه، وأخبر أن ذلك كفيل بأن يرده إلى المودة والمصافاة.

قال ابن عباس في تفسير الآية: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم. اهـ.

فكيف إذا كان هذا الإحسان للوالد الذي هو من أكثر الناس رحمة، وشفقة بالإنسان، لا شك أن هذا كفيل بإزالة ما في نفسه من شحناء، قد تكون تسببت فيها دون أن تشعر.

 وأما ترك الصلاة فهو جريمة عظيمة؛ فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: بين الرجل والكفر ترك الصلاة. رواه مسلم. ويقول عمر رضي الله عنه: أما إنه لا حظ في الإسلام لمن ضيع الصلاة.

 وقد نقل ابن القيم -رحمه الله- إجماع المسلمين على أن تارك الصلاة الواحدة حتى يخرج وقتها شر من الزاني، والسارق، وشارب الخمر، وقاتل النفس.

وقال: لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمدا من أعظم الذنوب، وأكبر الكبائر، وأن إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس، وأخذ الأموال، ومن إثم الزنا، والسرقة، وشرب الخمر، وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه، وخزيه في الدنيا والآخرة. ثم اختلفوا في قتله، وفي كيفية قتله وفي كفره. انتهى.

وقد نقل عن الإمام أحمد أنه قال رحمه الله: فكل مستخف بالصلاة، مستهين بها، فهو مستخف بالإسلام، مستهين به، وإنما حظهم من الإسلام على قدر حظهم من الصلاة، ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة، فاعرف نفسك يا عبدالله، واحذر أن تلقى الله ولا قدر للإسلام عندك؛ فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك انتهى.

 وأما عن مسألة الشعر: فقد ثبت فيه أثر موقوف على ابن مسعود -رضي الله عنه- بسند رجاله ثقات كما قال الهيثمي في الزوائد. ونص الأثر كما جاء في مصنف عبد الرزاق الصنعاني، والطبراني: عن معمر، والثوري، عن الأعمش، عن زيد بن وهب قال: مر عبد الله بن مسعود على رجل ساجد، ورأسه معقوص، فحله، فلما انصرف قال له عبد الله: لا تعقص فإن شعرك يسجد، وإن لكل شعرة أجرا قال: إنما عقصته لكي لا يتترب قال: أن يتترب خير لك

 وفي شرح النووي على مسلم: (باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب) قوله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة، وأشار بيده إلى أنفه، والرجلين، واليدين، وأطراف القدمين، ولا نكفت الثياب، ولا الشعر) وفي رواية: (أمرت أن أسجد على سبع، ولا أكفت الشعر، ولا الثياب: الجبهة، والأنف، واليدين، والركبتين، والقدمين) وفي رواية عن ابن عباس: (أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة، ونهى أن يكف شعره أو ثيابه ... اتفق العلماء على النهي عن الصلاة وثوبه مشمر، أو كمه، أو نحوه، أو رأسه معقوص، أو مردود شعره تحت عمامته، أو نحو ذلك، فكل هذا منهي عنه باتفاق العلماء ... قال العلماء: والحكمة في النهي عنه أن الشعر يسجد معه؛ ولهذا مثله بالذي يصلي وهو مكتوف... والله أعلم. اهـ
 

وقد اختلف أهل العلم في إباحة التمساح، ومنعه، وكراهته: فقد جوزه المالكية، ومنعه الحنفية، والصحيح عند الحنابلة، والشافعية منعه.

قال الدردير في الشرح الصغير: والمباح البحري مطلقا, ( وإن ميتا، أو كلبا، أو خنزيرا ) أو تمساحا، أو سلحفاة، ولا يفتقر لذكاة. اهـ.

 وقال العراقي في طرح التثريب: ولا خلاف في حل السمك على اختلاف أنواعه. وأما ما ليس على صورة السمك، ففيه عند الشافعية خلاف: قيل بالحل مطلقا, وهو الأصح المنصوص للشافعي، وقيل بالتحريم مطلقا، وقيل ما يؤكل نظيره في البر كالبقر والشاة فحلال, وما لا كخنزير الماء, وكلبه، فحرام, واستثنوا من الحل أربعة: الضفدع، والسرطان، والسلحفاة، والتمساح فهي محرمة عندهم على الصحيح المشهور. وقال أحمد: كله مباح إلا الضفدع, وعنه في التمساح روايتان، وأباح مالك حيوان البحر كله حتى الضفدع, وعنه في خنزير البحر قولان, وكره تسميته خنزيرا، وحرم أبو حنيفة ما عدا السمك، وقيل إن هذا الحديث حجة عليه فإن هذا لا يسمى سمكا. اهـ.

وفي الكافي في فقه الإمام أحمد: القسم الثالث: حيوان البحر يباح جميعه؛ لقول الله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه} [المائدة: 96] إلا الضفدع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلها، ولأنها مستخبثة. وكره أحمد - رضي الله عنه - التمساح؛ لأنه ذو ناب، فيحتمل أنه محرم؛ لأنه سبع، ويحتمل أنه مباح للآية. اهـ.

 والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة