السؤال
ما هي درجات أهل الجنة: أقصد في ذلك (السابقون و....الخ) مع ذكر ماذا كانوا يعملون؟
وأيضا ما هي الأعمال التي توصلنا للفردوس الأعلى؟
ما هي درجات أهل الجنة: أقصد في ذلك (السابقون و....الخ) مع ذكر ماذا كانوا يعملون؟
وأيضا ما هي الأعمال التي توصلنا للفردوس الأعلى؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالسابقون المقربون، درجاتهم في الجنة متفاوتة بحسب إيمانهم، وتقواهم، ودرجاتهم في الجنة، أعلى من درجات الأبرار أصحاب اليمين، فضلا عن درجات الظالمين من المسلمين، وقد ورد ذكر هؤلاء في سورة فاطر في قوله تعالى: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير {فاطر:32}.
وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- في طريق الهجرتين: أنه سبحانه ذكر جزاء السابقين بالخيرات هنا؛ مشوقا لعباده إليه، منبها لهم على مقداره وشرفه، وسكت عن جزاء الظالمين لأنفسهم، والمقتصدين؛ ليحذر الظالمون، ويجد المقتصدون، وذكر في سورة الإنسان جزاء الأبرار، منبها على ما هو أعلى وأجل منه، وهو جزاء المقربين السابقين؛ ليدل على أن هذا إذا كان جزاء الأبرار المقتصدين، فما الظن بجزاء المقربين السابقين، فقال تعالى: {إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا} إلى قوله: {ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا قوارير من فضة} إلى قوله: {عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا} [الإنسان: 5-21] ، فذكر هنا الأساور من الفضة، والأكواب من الفضة في جزاء الأبرار، وذكر في سورة الملائكة -يعني سورة فاطر- الأساور من الذهب، في جزاء السابقين بالخيرات، فعلم جزاء المقتصدين من سورة الإنسان، وعلم جزاء السابقين من سورة الملائكة، فانتظمت السورتان جزاء المقربين، على أتم الوجوه، والله أعلم بأسرار كلامه، وحكمه. انتهى.
وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: والجنة درجات متفاضلة، تفاضلا عظيما، وأولياء الله المؤمنون المتقون في تلك الدرجات بحسب إيمانهم، وتقواهم؛ قال تبارك وتعالى: { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا، كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا، انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا}.
فبين الله سبحانه وتعالى أنه يمد من يريد الدنيا، ومن يريد الآخرة من عطائه، وأن عطاءه ما كان محظورا من بر، ولا فاجر، ثم قال تعالى: { انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض، وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا}. فبين الله سبحانه أن أهل الآخرة يتفاضلون فيها، أكثر مما يتفاضل الناس في الدنيا، وأن درجاتها أكبر من درجات الدنيا. وقد بين تفاضل أنبيائه عليهم السلام كتفاضل سائر عباده المؤمنين، فقال تعالى: { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس} وقال تعالى: { ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا}. وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجزن، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان} وفي الصحيحين عن أبي هريرة، وعمرو بن العاص -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:{ إذا اجتهد الحاكم فأصاب، فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ، فله أجر}. وقد قال الله تعالى:{ لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى } وقال تعالى: { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما} وقال تعالى: { أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين، الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون، يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم، خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم} وقال تعالى: { أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب}. وقال تعالى: { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير}. انتهى.
وقد ذكرنا الأعمال التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم لنوال الفردوس الأعلى، في الفتاوى التالية أرقامها: 151735، 154639، 188883. فراجعها.
والله أعلم.