تفسير: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ

0 238

السؤال

قال الله تعالى عن حشر الناس يوم القيامة: (ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين) [سورة النمل : 87]
ومن معاني كلمة داخرين: صاغرين، ذليلين، مطيعين، خاضعين.
سؤالي هل يقال إن الأنبياء والرسل يأتون صاغرين ذليلين؟ أم نقول مطيعين خاضعين فقط؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإن الأنبياء عليهم السلام داخلون في عموم هذه الآية وفي عموم قوله تعالى: أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون {النحل:48}.

وقد فسر أهل العلم داخرين بأنهم صاغرون كما قال الطبري: وقوله: (وكل أتوه داخرين ) يقول: وكل أتوه صاغرين، حدثني علي, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: (وكل أتوه داخرين ) يقول: صاغرين، حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة: ( وكل أتوه داخرين ) قال: صاغرين، حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وكل أتوه داخرين ) قال: الداخر: الصاغر الراغم, قال: لأن المرء الذي يفزع إذا فزع إنما همته الهرب من الأمر الذي فزع منه, قال: فلما نفخ في الصور فزعوا, فلم يكن لهم من الله منجى. اهـ

وقال ابن كثير: و{داخرين} أي: صاغرين مطيعين، لا يتخلف أحد عن أمره، كما قال تعالى: {يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده} [سورة الإسراء:52]، وقال: {ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون} [سورة الروم:25]، اهـ

وفي تفسير القرطبي عند قوله تعالى: أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون {النحل:48}، قال: وهم داخرون أي خاضعون صاغرون، والدخور: الصغار والذل، يقال : دخر الرجل ـ بالفتح ـ فهو داخر، وأدخره الله. اهـ

ولكن التعبير عن الأنبياء يتعين فيه استخدام أكثر الأساليب أدبا مع اعتقاد مكانة الأنبياء عند الله وإعزازه لهم، وأن إتيانهم داخرين يفيد تواضعهم لله وتذللهم بين يديه، ولا يعني أنهم في حال هوان؛ بل إنهم يحشرون في حالة تكريم رباني حيث يأتون وفدا راكبين؛ كما  قال الله تعالى: يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا {مريم:85}. 

قال ابن كثير: يخبر تعالى عن أوليائه المتقين، الذين خافوه في الدار الدنيا, واتبعوا رسله, وصدقوهم فيما أخبروهم، وأطاعوهم فيما أمروهم به، وانتهوا عما عنه زجروهم: أنه يحشرهم يوم القيامة وفدا إليه, والوفد: هم القادمون ركبانا... وركوبهم على نجائب من نور من مراكب الدار الآخرة، وهم قادمون على خير موفود إليه، إلى دار كرامته ورضوانه, وأما المجرمون المكذبون للرسل المخالفون لهم، فإنهم يساقون عنفا إلى النار، وردا: عطاشا. اهـ.

وققد نص بعض أهل العلم على أنهم غير داخلين في عموم الفزع؛  بل هو مستثنون منه؛ كما  قال القرطبي عند قوله تعالى: ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله {النمل:87}.

قال: اختلف في هذا المستثنى من هم؟ ففي حديث أبي هريرة أنهم الشهداء عند ربهم يرزقون إنما يصل الفزع إلى الأحياء، وهو قول سعيد بن جبير أنهم الشهداء متقلدو السيوف حول العرش، وقال القشيري: الأنبياء داخلون في جملتهم، لأن لهم الشهادة مع النبوة، وقيل: الملائكة، قال الحسن: استثني طوائف من الملائكة يموتون بين النفختين، قال مقاتل: يعني جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، وقيل: الحور العين، وقيل: هم المؤمنون، لأن الله تعالى قال عقب هذا: "من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون"، وقال بعض علمائنا: والصحيح أنه لم يرد في تعيينهم خبر صحيح والكل محتمل، قلت: خفي عليه حديث أبي هريرة وقد صححه القاضي أبو بكر العربي فليعول عليه، لأنه نص في التعيين وغيره اجتهاد. والله أعلم. اهـ

وقال الدكتور عمر الأشقر في كتاب القيامة الكبرى: صنف من عباد الله لا يفزعون عندما يفزع الناس، ولا يحزنون عندما يحزن الناس، أولئك هم أولياء الرحمن الذين آمنوا بالله وعملوا بطاعة الله استعدادا لذلك اليوم، فيؤمنهم الله في ذلك اليوم، وعندما يبعثون من القبور تستقبلهم ملائكة الرحمن تهدئ من روعهم وتطمئن قلوبهم: إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون * لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون * لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون {الأنبياء: 101-103} والفزع الأكبر: هو ما يصيب العباد عندما يبعثون من القبور: إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار {إبراهيم: 42} ففي ذلك اليوم ينادي منادي الرحمن أولياء الرحمن مطمئنا لهم: يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون * الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين {الزخرف: 68ـ69} وقال في موضع آخر: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم {يونس: 62ـ 64}. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات