السؤال
في يوم كنت أسمع مقطع: كيف يعرف الإنسان صفاء قلبه، ذكر فيه الشيخ (حديث عبد الله بن عمر لما قال النبي صلى الله عليه وسلم يدخل عليكم رجل من أهل الجنة، عبد الله بن عمر نام عنده ثلاث ليال قال: وقعت خصومه بيني وبين أبي وأريد أن أبيت عندك فقال هو لك... إلى آخر الحديث ) عندما جاء المقطع الذي ذكر فيه الصحابي الجليل عبد الله بن عمر أنه وقعت بينه وبين أبيه خصومة، جاء في نفسي أن هذا الصحابي كذب لكي ينام عند الرجل، فأخذت أدافع هذه الفكرة، وأقول في نفسي إن الصحابة لا يكذبون، ثم بعد ذلك كأنني صدقت ما جاء في نفسي، فأخذت أبحث من هم المعصومون من الكذب؟ وأرسلت سؤالا لشيخ من هم المعصومون من الكذب؟ (لأنه كان يأتي في نفسي بما أن الصحابي كذب فهذا دليل على أن الإسلام غير صحيح) ثم بكيت لأنني أكره هذه الأفكار وأكره أن تأتيني، ولأنني أيضا بحثت من هم المعصومون من الكذب؟ وأرسلت سؤالا للشيخ، وأنا خائفة لأنني بحثت وأرسلت سؤالا، فهل هذا دليل على أنني أشك في الإسلام، مع أنني في اليوم التالي جاءتني هذه الفكرة هل الإسلام صحيح؟ فاستعذت بالله من الشيطان، وقلت آمنت بالله ورسوله، وأنا أؤدي جميع الصلوات، وأقول في نفسي لو أنني لا أومن بالله لما صليت، وبدأت في قضاء الأيام الفائتة من رمضان، فهل ما فعلته من البحث عن المعصومين من الكذب وإرسالي سؤالا يعد من الفعل الذي جاء في حديث (إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) فأنا لم أتكلم ولكن هل ما فعلته يعد من الفعل المقصود في الحديث، علما بأنه يأتي في نفسي (لو أنك لم تشكي لما بحثت لذا أنت كافرة)، فهل ما فعلته كفر؟.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تؤاخذين على مثل هذه الوساوس التي تجدينها في قلبك، بل إن في كراهيتك لها دليلا على صحة إيمانك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في الفتاوى: وكثيرا ما تعرض للمؤمن شعبة من شعب النفاق، ثم يتوب الله عليه، وقد يرد على قلبه بعض ما يوجب النفاق ويدفعه الله عنه، والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان وبوساوس الكفر التي يضيق بها صدره، كما قال الصحابة: يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما لئن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: ذاك صريح الإيمان. وفي رواية: ما يتعاظم أن يتكلم به، قال: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة. أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له ودفعه عن القلب هو من صريح الإيمان، كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه فهذا أعظم الجهاد، والصريح الخالص كاللبن الصريح، وإنما صار صريحا لما كرهوا تلك الوساوس الشيطانية ودفعوها فخلص الإيمان صريحا، ولا بد لعامة الخلق من هذه الوساوس، فمن الناس من يجيبها فيصير كافرا ومنافقا، ومنهم من غمرت قلبه الشهوات والذنوب فلا يحس بها إلا إذا طلب الدين، فإما أن يصير مؤمنا، وإما أن يصير منافقا. انتهى.
وأيضا فقد تقرر في الشريعة أن من ثبت إسلامه بيقين فلا يزول إسلامه بالشك، وبمثل هذه الوساوس التي يفتحها الشيطان على الناس ليشغلهم عما ينفعهم، ويقنطهم من رحمة الله بهم.
فاتقي الله في نفسك، وأشغليها بما ينفعك عند الله تعالى، ولا تتبعي خطوات الشيطان، وننصحك بالكف عن هذه الوساوس وعدم التفكير فيها لسوء عاقبتها عليك، فقد بينا مرارا وتكرارا أن أفضل علاج للوساوس بعد الاستعانة بالله هو الإعراض عنها وعدم الاكتراث بها ولا الالتفات إلى شيء منها.
ومما يعينك على ترك الوساوس مع الإعراض عنها أمور منها:
1- الالتجاء إلى الله تعالى بصدق وإخلاص في أن يذهب الله عنك هذه الوساوس.
2- الإكثار من قراءة القرآن والمحافظة على الذكر لا سيما أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم والاستيقاظ.
3- مجالسة الصالحات وحضور مجالس العلم، والحذر من مجالسة صواحب السوء أو الانفراد والانعزال عن الناس.
وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتاوى التالية أرقامها: 497، 32860، 51601، 136054.
والله أعلم.