حكم الحزن من فوات فرصة عمل بسبب خطأ في تسجيل بيانات التقدم للوظيفة

0 232

السؤال

أنا شاب عمري 25 سنة، عاطل عن العمل، وظروفي المادية والنفسية صعبة للغاية، أردت أن أسجل في مناظرة لانتداب عمال في نفس اختصاصي المهني، لكنه في عملية التسجيل على الواب حدث خطأ مني، و بعد مرور المدة المتاحة للتسجيل أيقنت بالخطأ الذي ارتكبت، فتم حذفي من المشاركة، ومنذ ذلك اليوم انتابني الإحباط والهم والحزن بسبب هذه المناظرة، حتى صرت أفكر ليلا ونهارا، وأعاتب نفسي إلى درجة أنني أصبت باليأس، فهل هذا رزق مقدر من الله؟.
أفيدوني.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يتولى أمرك، وأن يكشف ضرك، وأن يزيل همك، واعلم أن أرزاق العباد بيد الله وحده، قال تعالى: يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون {فاطر:3}.

ولن يمنع العبد ذرة زرق كتبها الله له، ولو اجتمع الخلق كلهم على منعه منها، ولن يعطى ذرة رزق لم يكتبها الله له ولو اجتمع الخلق كلهم لإعطائها إياه، قال صلى الله عليه وسلم: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف. رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.

وعلى العبد أن يوقن أنه لن يفوته شيء من الرزق الذي كتبه الله له، جاء في الحديث: أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل، ودعوا ما حرم. أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني.

لكن الله عز وجل يجري المقادير بأسباب قدرها، فالله خالق المقدور وخالق سببه، وعلى العبد أن يفعل الأسباب لاجتلاب الرزق، وهذا لا يعارض الإيمان بتقدير الله وكتابته للأرزاق وسائر المقادير، ولا ريب في أن كل ما يصيب العبد هو بتقدير الله جل وعلا وقضائه سبحانه، والله سبحانه أرحم بالعبد من نفسه، وكل ما يقضيه الله لعبده المؤمن فهو خير له قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له. أخرجه مسلم.

والعبد قد تكون له منزلة عظيمة عند الله لا يبلغها إلا بالمصائب التي تنزل بساحته، جاء في الحديث: إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة، لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده، أو في ماله، أو في ولده، ثم صبره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى. أخرجه أبو داود، وصححه الألباني.

بل إن المصائب والمضائق قد تكون أمارة على إرادة الله الخير بالعبد، كما في الحديث الذي أخرجه البخاري: من يرد الله به خيرا يصب منه.

والجزع لن يرفع المصاب عن العبد، بل سيحرمه أجر الصبر، وهذه مصيبة عظمى، فنوصيك بالصبر والرضا بما قدر الله لك، والله عز وجل عند ظن عبده به، كما صح في الحديث القدسي، فأحسن الظن بالله تحسن عاقبتك، ولن يخيب الله عبدا رجاه صادقا في رجائه، واحذر القنوط من رحمة الله واليأس من روحه، فإنهما من المحرمات، قال سبحانه: قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون {الحجر:56}. وقال تعالى: إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون {يوسف:87}،
قال الحجاوي في نظم الكبائر:
قنوط الفتى من رحمة الله ثم قل    * إساءة ظن بالإله الموحد.

والحزن من أمراض القلوب، فجاهد نفسك في التخلص منه، وننقل لك هاهنا كلاما نفيسا لابن القيم في التنفير من الحزن  يقول فيه: اعلم أن الحزن من عوارض الطريق، ليس من مقامات الإيمان ولا من منازل السائرين، ولهذا لم يأمر الله به في موضع قط ولا أثنى عليه، ولا رتب عليه جزاء ولا ثوابا، بل نهى عنه في غير موضع، كقوله تعالى: ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين {آل عمران: 139} وقال تعالى: ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون {النحل: 127} وقال تعالى: فلا تأس على القوم الفاسقين {المائدة: 26} وقال: إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا {التوبة: 40} فالحزن هو بلية من البلايا التي نسأل الله دفعها وكشفها، ولهذا يقول أهل الجنة: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن {فاطر: 34} فحمده على أن أذهب عنهم تلك البلية ونجاهم منها، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال ـ فاستعاذ صلى الله عليه وسلم من ثمانية أشياء كل شيئين منها قرينان: فالهم والحزن قرينان، وهما الألم الوارد على القلب، فإن كان على ما مضى، فهو الحزن، وإن كان على ما يستقبل فهو الهم، والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الحزن مما يستعاذ منه، وذلك لأن الحزن يضعف القلب ويوهن العزم، ويضر الإرادة، ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن، قال تعالى: إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا {المجادلة: 10} فالحزن مرض من أمراض القلب يمنعه من نهوضه وسيره وتشميره. اهـ.

وراجع للفائدة الفتاوى التالة أرقامها: 152655، 7964، 95493.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة