السؤال
فيما يخص حادثة قتل الجني للفتى في المدينة، الحديث في صحيح مسلم.
وسؤالي هو: إن كان الشيطان استطاع التجسد وقتل ذلك الفتى، فما الذي يمنعه من قتل كل المؤمنين بهذه الطريقة، مع قول الله تعالى:"إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا"
هل هذا الفتى لم يقل الأذكار مثلا والله أعلم؟
وهل تكلم أحد من السلف في كيفية قتل الجني للفتى رغم صلاحه، وجهاده؟
وشكرا لكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلعلك تشير إلى الحديث الذي رواه مسلم من طريق مالك بن أنس عن صيفي - وهو عندنا مولى ابن أفلح - أخبرني أبو السائب مولى هشام بن زهرة أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته، قال فوجدته يصلي، فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته، فسمعت تحريكا في عراجين في ناحية البيت، فالتفت فإذا حية، فوثبت لأقتلها، فأشار إلي أن اجلس. فجلست، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار، فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم. قال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس - قال - فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يوما، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ عليك سلاحك؛ فإني أخشى عليك قريظة. فأخذ الرجل سلاحه، ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة، فأهوى إليها الرمح ليطعنها به، وأصابته غيرة، فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتى تنظر ما الذى أخرجني. فدخل فإذا بحية عظيمة، منطوية على الفراش، فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به، ثم خرج فركزه في الدار، فاضطربت عليه. فما يدرى أيهما كان أسرع موتا الحية أم الفتى؟ قال: فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرنا ذلك له، وقلنا: ادع الله يحييه لنا. فقال: استغفروا لصاحبكم. ثم قال: إن بالمدينة جنا قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه؛ فإنما هو شيطان .
وقد قال النووي -رحمه الله- في شرح مسلم عند قوله صلى الله عليه وسلم: فأذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان: قال العلماء: معناه: وإذا لم يذهب بالإنذار، علمتم أنه ليس من عوامر البيوت، ولا ممن أسلم من الجن، بل هو شيطان، فلا حرمة عليكم فاقتلوه، ولن يجعل الله له سبيلا للانتصار عليكم بثأره، بخلاف العوامر، ومن أسلم. انتهى.
فبين -رحمه الله- أن الجن الذين يكونون في البيوت إذا آذنهم الإنسي، فإنه يقتلهم بعد ثلاثة أيام، وأنهم لا يضرونهم والحال هذه، وإنما يضرونه إذا قتلهم ابتداء من غير أن يؤذنهم.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في أسباب صرع الجني للإنسي: وتارة يكون الإنسي آذاهم إذا بال عليهم، أو صب عليهم ماء حارا، أو يكون قد قتل بعضهم، أو غير ذلك من أنواع الأذى، وهذا أشد الصرع، وكثيرا ما يقتلون المصروع، وتارة يكون بطريق العبث، كما يعبث سفهاء الإنس بأبناء السبيل. انتهى.
وهذا الأذى لا تقدر عليه الجن إلا بإذن الله عز وجل، وقدره، فلو لم يقدر الله ذلك ما ضروا أحدا بشيء.
ولم نقف على الكيفية التي قتل بها هذا الصحابي، إلا أنه لما قتل الحية مات.
والله أعلم.