السؤال
قرأت في أحد المواقع الذين أفتوا بأن الطلاق بالإخبار كذبا يقع أنهم استندوا إلى التالي:
قال شيخ الاسلام ابن تيمية: "الشارع منع أن تتخذ آيات الله هزؤا, وأن يتكلم الرجل بآيات الله التي هي العقود إلا على وجه الجد الذي يقصد به موجباتها الشرعية, ولهذا ينهى عن الهزل بها, وعن التلجئة, كما ينهى عن التحليل, وقد دل على ذلك قوله سبحانه: (ولا تتخذوا آيات الله هزوا) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بال أقوام يلعبون بحدود الله ويستهزئون بآياته, طلقتك, راجعتك, طلقتك راجعتك) فعلم أن اللعب بها حرام" انتهى.
"الفتاوي الكبرى" (6/65)
وقرأت في كتاب لأحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس من تحقيق حسنين محمد مخلوف النص نفسه، وقد علق عليه: فعلم أن اللعب بها حرام والنهي يقتضي فساد المنهي عنه، ومعنى فساده عدم ترتب آثاره الذي يريده المنهي عنه مثل نهيه عن البيع والنكاح الحرام فإن فساده عدم حصول الملك والهازل واللاعب بالكلام غرضه التفكه والتلهي والتمضمض بمثل هذا الكلام من غير لزوم حكمه له، فأفسد الشارع عليه هذا الغرض بأن ألزمه الحكم متى تكلم بها، فلم يترتب غرضه من التلهي بها واللعب والخوض بل لزمه النكاح وثبت في حقه النكاح، ومتى ثبت النكاح في حقه تبعه أحكامه، والمحتال كالمحلل غرضه إعادة المرأة إلى الأول فيجب فساد هذا الغرض عليه بأن لا يحل عودها وإنما لا يحل عودها إذا كان نكاحه فاسدا فيجب إفساد نكاحه, فتبين أن الشارع للمقاصد هو الذي أوجب صحة نكاح الهازل وفساد نكاح المحلل, وإيضاح هذا أن الله حرم أن تتخذ آياته هزوا بعد أن ذكر النكاح والخلع والطلاق، وفسر هذا النبي صلى الله عليه وسلم أن من المحرمات أن يلعب بحدود الله ويستهزأ بآياته فيقال: طلقتك راجعتك خلعتك راجعتك، ومعلوم أن الاستهزاء بالكلام الحق المعتبر أن يقال لا على هذا الوجه إما أن يقصد به مقصود غير حقيقته ككلام المنافق أو لا يقصد إلا مجرد ذكره على وجه اللعب ككلام السفهاء، وكلا الوجهين حرام وهو كذب ولعب فيجب أن يمنع من هذا الفساد فيمنع الأول من حصول مقصوده المباين لمقصود الشارع، ويمنع الثاني من حصول مقصوده الذي هو اللعب، ومما يقارب هذا أن كلمتي الكفر والإيمان إذا قصد الإنسان غير حقيقتهما صح كفره ولم يصح إيمانه, فالمنافق قصد بالإيمان مصالح دنياه من غير حقيقة لمقصود بالكلمة فلم يصح إيمانه، والرجل لو تكلم بكلمة الكفر لمصالح دنياه من غير حقيقة اعتقاده صح كفره باطنا وظاهرا, وذلك لأن العبد مأمور بأن يتكلم بكلمة الإيمان معتقدا لحقيقتها، وأن لا يتكلم كلمة الكفر أو الكذب جادا ولا هازلا، فإذا تكلم بالكفر أو الكذب جادا أو هازلا كان كافرا أو كاذبا حقيقة؛ لأن الهزل بهذا الكلمات غير مباح، فيكون وصف الهزل مهدرا في نظر الشرع؛ لأنه محرم فتبقى الكلمة موجبة لمقتضاها أيضا، قال في نفس الباب:
إن كل واحد من الهازل و المخادع لما أخرجا العقد من حقيقته فلم يكن مقصودهما منه مقصود الشارع عوقبا بنقيض قصدهما.
سؤالي الآن بعد هذا الكلام: هل يعد الإقرار بالطلاق كذبا طلاق ديانة أم لا؟.