الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول السائل: (أدعوا الله أن يجعلني سادس الخلفاء الراشدين بعد الحسن بن علي) يفيد أن جميع الخلفاء بعد الحسن ـ رضي الله عنه ـ ليس فيهم أحد من الراشدين! وهذا ليس بصحيح، وحسبه أن يتذكر عمر بن عبد العزيز، فقد كان من خلفاء الرشد وأئمة العدل، قال عنه ابن حبان في كتاب الثقات: لزم طريقة الخلفاء الراشدين المهديين الذين هو من جملتهم لا تأخذه في الله لومة لائم اهـ.
وقال في مشاهير علماء الأمصار: من الخلفاء الراشدين المهديين الذي أحيا ما أميت قبله من السنن وسلك مسلك من تقدمه من الخلفاء الأربع. اهـ.
ونقل ابن كثير في (البداية والنهاية) عن أئمة الإسلام أنهم صرحوا بأنه أحد الخلفاء الراشدين، قال: حتى قرنوا أيامه تابعة لأيام الأربعة، وحتى اختلفوا في أيهما أفضل؟ هو أو معاوية بن أبي سفيان أحد الصحابة. اهـ.
وقال أيضا: أطبق الأئمة على شكره وعلى مدحه، وعدوه من الخلفاء الراشدين، وأجمع الناس قاطبة على عدله. اهـ.
وقال الذهبي في السير: كان من أئمة الاجتهاد، ومن الخلفاء الراشدين. اهـ.
بل قد صرح بعض أهل العلم بأنه خامس الخلفاء الراشدين، قال السيوطي في ( تاريخ الخلفاء): خامس الخلفاء الراشدين، قال سفيان الثوري: الخلفاء خمسة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمر بن عبد العزيز، أخرجه أبو داود في سننه. اهـ.
ونقل العصامي ذلك في (سمط النجوم العوالي) عن الإمام الشافعي. وذكر ذلك أيضا الذهبي في (العبر) وابن العماد في ( شذرات الذهب) والسخاوي في (التحفة اللطيفة) واليافعي في (مرآة الجنان).
وقد حمل بعض رواة حديث عودة الخلافة على منهاج النبوة بعد الملك العاض والجبري، على عمر بن عبد العزيز، حيث روى حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير عن حذيفة مرفوعا حديث: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت.
قال حبيب: فلما قام عمر بن عبد العزيز وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته فكتبت إليه بهذا الحديث أذكره إياه فقلت له: إني أرجو أن يكون أمير المؤمنين ـ يعني عمر ـ بعد الملك العاض والجبرية، فأدخل كتابي على عمر بن عبد العزيز فسر به وأعجبه. رواه أحمد في مسنده، وصححه الألباني.
وكذلك كان من خلفاء العباسيين من له سيرة في العدل والزهد أدخلته في عداد الراشدين، كالمهتدي بالله، قال ابن العمراني في (الإنباء في تاريخ الخلفاء): كان الناس يروون عن سفيان الثوري أنه كان يقول: الخلفاء الراشدون خمسة، ويعد فيهم عمر بن عبد العزيز ثم أجمع الناس في أيام المهتدي من فقيه ومقرئ وزاهد وصاحب حديث أن السادس هو المهتدي بالله. اهـ.
وقال السيوطي في (تاريخ الخلفاء): كان المهتدي ورعا متعبدا، عادلا، قويا في أمر الله، بطلا، شجاعا لكنه لم يجد ناصرا ولا معينا... لما قامت الأتراك عليه ثار العوام، وكتبوا رقاعا وألقوها في المساجد: يا معشر المسلمين! ادعو الله لخليفتكم العدل الرضا المضاهي لعمر بن عبد العزيز أن ينصره الله على عدوه. اهـ.
والمقصود أنك عندما تدعو الله أن تكون سادس الخلفاء الراشدين تخالف الحقائق والواقع الذي كان، فلا معنى لهذا الدعاء.
وأما الدعاء بأن يجعلك الله منهم دون تقييد بعدد، فالذي يظهر لنا أنه لا حرج في ذلك، بل قد يكون من الدعاء الحسن الذي يدل على همة صاحبه ورغبته في الخير لنفسه ولأمته، إذا كان غرضه من ذلك تحصيل درجة الإمام العادل عند الله تعالى، وتجديد أمر هذه الأمة والعودة بها إلى حالها أيام الخلفاء الراشدين.
وأولى لك أن تدعو الله أن يستخدمك لنصرة دينه أيا كان موقعك ومكانك، وتقرن هذا الدعاء بالعمل في سبيل عودة دولة الإسلام الراشدة .
والله أعلم.