السؤال
الأخذ بالحديث الضعيف إن لم يكن غيره في المسألة: أرجو ذكر آراء العلماء فيه ومن عارض ذلك الرأي بأدلة كل، وهل ينطبق هذا الكلام على أي مسألة لم يرد فيها إلا الحديث الضعيف حتى لو عارض قياسا؟ وهل ينطبق مثلا على المضمضة والاستنشاق والموالاة والتسمية في الوضوء والغسل إذا افترضنا أن الأحاديث الواردة فيها هي ذلك الحديث الضعيف الذي نتحدث عنه؟ أم لا تنطبق في هذه المسائل، وإنما في المسائل التي لم يرد فيها نص صريح ولا قياس ولا أي شيء إلا هذا الحديث الضعيف، وحينئذ نتجه إليه؟.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن العلماء تعددت أقوالهم في العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، فمنهم من أجاز العمل به بشروط، وهذا قول أكثرهم حتى نقل عليه الاتفاق، ومنهم من منع العمل به مطلقا، وقد ذكرنا أقوالهم في الفتوى رقم: 41058.
وانظر كلام شيخ الإسلام حول هذا في الفتوى رقم: 19826.
وهذا في أحاديث فضائل الأعمال لا أحاديث الأحكام والعقائد، فهذه لا يعمل فيها بالأحاديث الضعيفة، قال الزركشي الشافعي في كتابه النكت على مقدمة ابن الصلاح: أجمع أهل الحديث وغيرهم على العمل في الفضائل ونحوها مما ليس فيه حكم ولا شيء من العقائد وصفات الله تعالى بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، إذا علمت هذا فقد نازع بعض المتأخرين وقال جوازه مشكل، فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإسناد العمل إليه يوهم ثبوته ويؤدي إلى ظن من لا معرفة له بالحديث الصحة فينقلونه ويحتجون به، وفي ذلك تلبيس، قال: وقد نقل بعض الأثبات عن بعض تصانيف الحافظ أبي بكر بن العربي المالكي أنه قال: إن الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقا. اهــ.
وما طلبته من أدلة كل فريق وما عارضه، فهذا محله المطولات من كتب أهل العلم، وأما هل يعمل بالحديث الضعيف حتى لو عارضه القياس: فإن العلماء في الجملة يقدمون الحديث الضعيف على القياس، قال ابن القيم في أعلام الموقعين مبينا أصول مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى: الأصل الرابع: الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف، إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، وهو الذي رجحه على القياس، وليس المراد بالضعيف عنده الباطل ولا المنكر ولا ما في روايته متهم بحيث لا يسوغ الذهاب إليه فالعمل به، بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح وقسم من أقسام الحسن، ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، بل إلى صحيح وضعيف، وللضعيف عنده مراتب، فإذا لم يجد في الباب أثرا يدفعه ولا قول صاحب، ولا إجماع على خلافه كان العمل به عنده أولى من القياس وليس أحد من الأئمة إلا وهو موافقه على هذا الأصل من حيث الجملة، فإنه ما منهم أحد إلا وقد قدم الحديث الضعيف على القياس. اهـ.
والمضمضة والاستنشاق في الوضوء والغسل جاءت بها الأحاديث الصحيحة، والتسمية جاءت بها أحاديث لا تخلو من ضعف، ولكن كما قال الحافظ في التلخيص: والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلا. اهـ.
وقد صحح جمع من العلماء كالذهبي والألباني حديث: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه. رواه أحمد والحاكم وغيرهما.
والتسمية للغسل لم يرد بها حديث ضعيف، ومن أوجبها من الفقهاء إنما أوجبها قياسا لا من باب العمل بالضعيف في الفضائل، قال ابن مفلح الحنبلي في المبدع: قال أصحابنا: هي هنا كالوضوء قياسا لإحدى الطهارتين على الأخرى، وفي المغني أن حكمها هنا أخف، لأن حديث التسمية إنما تناول بصريحه الوضوء لا غير... اهــ.
وكذا الموالاة، فقد دلت لها أحاديث صحيحة، غير أن العلماء اختلفوا في كيفية الاستدلال بها، يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى: الموالاة في الوضوء فيها ثلاثة أقوال:
أحدها: الوجوب مطلقا، كما يذكره أصحاب الإمام أحمد ظاهر مذهبه، وهو القول القديم للشافعي، وهو قول في مذهب مالك.
والثاني: عدم الوجوب مطلقا، كما هو مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد والقول الجديد للشافعي.
والثالث: الوجوب إلا إذا تركها لعذر مثل عدم تمام الماء، كما هو المشهور في مذهب مالك، وهو قول في مذهب أحمد.
قلت: هذا القول الثالث هو الأظهر والأشبه بأصول الشريعة وبأصول مذهب أحمد وغيره، وذلك أن أدلة الوجوب لا تتناول إلا المفرط، لا تتناول العاجز عن الموالاة... إلى آخر كلامه الطويل.
والله أعلم.