السؤال
فضيلة الشيخ: قد أذن الله عز وجل للمرأة أن تبدي مواضع الزينة من جسدها للنساء والمحارم، بقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن… إلخ الآية}.
وسؤالي: هل كل بدن المرأة ـ عدا السوأتين ـ موضع للزينة؟ وإذا لم يكن كله موضعا للزينة فما هي مواضع الزينة؟ وهل تحديد مواضع الزينة مرده إلى الشرع أم إلى العرف؟ وإذا كان إلى الشرع فما الأدلة على ذلك؟ وإذا كان إلى العرف فهل يجب على النساء في كل زمان ومكان التزام عرف الصحابيات بما أن القرآن وجه خطابه إليهن فحينئذ تكون مواضع الزينة هي المواضع التي تبدو حال المهنة وتدعو الحاجة إلى إظهارها، أو يجوز للنساء التعارف على مواضع زينة جديدة كالسرة والظهر والصدر، وحينئذ يجوز كشفها؟
أرجو من فضيلتكم بسط الجواب الشافي بسطا مستوعبا لجميع الأقوال وجميع أدلتها وأوجه دلالتها.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية نقرر أنه مع اختلاف أهل العلم في حدود عورة المرأة أمام محارمها، فإنه لا يجوز لها عند أحد منهم أن تبدي شيئا من الزينة في حدود هذه العورة، وأما ما عداها فالأصل جواز إبدائها ونظر المحارم إليها، ولكن دون شهوة ولا ريبة، فإن وجدت ريبة أو شهوة فلا يحل الإبداء ولا النظر، قال الماوردي في تفسيره (النكت والعيون): الزينة ما أدخلته المرأة على بدنها حتى زانها وحسنها في العيون، كالحلي والثياب والكحل والخضاب، ومنه قوله تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}... والزينة زينتان: ظاهرة وباطنة، فالظاهرة لا يجب سترها ولا يحرم النظر إليها؛ لقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} وفيها ثلاثة أقاويل، أحدها: أنها الثياب، قاله ابن مسعود، الثاني: الكحل والخاتم، قاله ابن عباس والمسور بن مخرمة، الثالث: الوجه والكفان، قاله الحسن وابن جبير وعطاء، وأما الباطنة فقال ابن مسعود: القرط والقلادة والدملج والخلخال، واختلف في السوار، فروي عن عائشة أنه من الزينة الظاهرة، وقال غيرها: هو من الباطنة، وهو أشبه لتجاوزه الكفين، فأما الخضاب فإن كان في الكفين فهو من الزينة الظاهرة، وإن كان في القدمين فهو من الباطنة، وهذا الزينة الباطنة يجب سترها عن الأجانب ويحرم عليهم تعمد النظر إليها، فأما ذوو المحارم، فالزوج منهم يجوز له النظر والالتذاذ، وغيره من الآباء والأبناء والإخوة يجوز لهم النظر ويحرم عليهم الالتذاذ... ثم قال: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن} يعني الزينة الباطنة، إبداؤها للزوج استدعاء لميله وتحريكا لشهوته... {أو ءابآئهن أو ءابآء بعولتهن} إلى قوله: {أو بني أخواتهن} وهؤلاء كلهم ذوو محارم بما ذكر من الأسباب والأنساب، يجوز أبدا نظر الزينة الباطنة لهم من غير استدعاء لشهوتهم، ويجوز تعمد النظر من غير تلذذ، والذي يلزم الحرة أن تستر من بدنها مع ذوي محارمها ما بين سرتها وركبتها، وكذلك يلزم مع النساء كلهن أو يستتر بعضهن من بعض ما بين السرة والركبة. اهـ.
وقال الطبري في تفسيره (جامع البيان): قوله: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن} يقول تعالى ذكره: {ولا يبدين زينتهن} التي هي غير ظاهرة بل الخفية منها، وذلك الخلخال والقرط والدملج، وما أمرت بتغطيته بخمارها من فوق الجيب، وما وراء ما أبيح لها كشفه وإبرازه في الصلاة وللأجنبيين من الناس، والذراعين إلى فوق ذلك، إلا لبعولتهن. اهـ.
وراجع في أقوال أهل العلم في حدود عورة المرأة أمام محارمها، الفتوى رقم: 248764، وفي عورة المرأة أمام المرأة الفتوى رقم: 115965، وأما استيعاب ذلك وجمع أدلته وبيان وجهها وما حصل فيها من اختلاف أو اتفاق، فليس محله الفتوى، وإنما محله الكتب والأبحاث المخصصة لذلك.
وهنا نؤكد على أن تحفظ المرأة أمام محارمها من الرجال الذين ذكرتهم الآية، ينبغي أن يراعى فيه واقع الحال وسد الذرائع دون إفراط ولا تفريط، وكذلك مراعاة اختلاف مراتب المحارم في الحرمة والاحتشام منهم وعندهم. قال ابن عطية في تفسيره (المحرر الوجيز): المعنى في هذه الآية: ولا يقصدن ترك الإخفاء للزينة الباطنة كالخلخال والأقراط ونحوه ويطرحن مؤونة التحفظ، إلا مع من سمي، وبدأ تعالى ب البعولة وهم الأزواج لأن اطلاعهم يقع على أعظم من هذا، ثم ثنى بالمحارم وسوى بينهم في إبداء الزينة، ولكنهم تختلف مراتبهم في الحرمة بحسب ما في نفوس البشر، فلا مرية أن كشف الأب والأخ على المرأة أحوط من كشف ولد زوجها، وتختلف مراتب ما يبدي لهم فيبدي للأب ما لا يجوز إبداؤه لولد الزوج. اهـ.
وقال ابن جزي في تفسيره (التسهيل لعلوم التنزيل): المراد بالزينة هنا الباطنة، فلما ذكر في الآية قبلها ما أباح أن يراه غير ذوي المحرم من الزينة الظاهرة، وذكر في هذه ما أباح أن يراه الزوج وذوي المحارم من الزينة الباطنة، وبدأ بالبعولة وهم الأزواج لأن اطلاعهم يقع على أعظم من هذا، ثم ثنى بذوي المحارم وسوى بينهم في إبداء الزينة، ولكن مراتبهم تختلف بحسب القرب. اهـ.
والله أعلم.