الفرق بين النعيم في الجنة والبرزخ

0 560

السؤال

إخواني الكرام: لدي ثلاثة أسئلة بخصوص المؤمن إذا مات وانتقل إلى البرزخ. هل يدخل الجنة؟ هل يستطيع أن يرى النعيم في الجنة كأنهارها وأشجارها وزوجاته من الحور العين في البرزخ؟ والسؤال الأخير: ما الفرق بين دخول الجنة في البرزخ ودخول الجنة بعد يوم القيامة؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فنسأل الله أن يدخلنا الجنة، وأن يحرمنا على النار.

واعلم أن المؤمن إذا مات فإنه يرى مقعده من الجنة، فقد روى أحمد عن أبي الزبير، أنه سأل جابر بن عبد الله عن فتاني القبر، فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فإذا أدخل المؤمن قبره، وتولى عنه أصحابه، جاء ملك شديد الانتهار، فيقول له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول المؤمن: أقول إنه رسول الله وعبده، فيقول له الملك: انظر إلى مقعدك الذي كان لك في النار، قد أنجاك الله منه، وأبدلك بمقعدك الذي ترى من النار، مقعدك الذي ترى من الجنة، فيراهما كلاهما، فيقول المؤمن: دعوني أبشر أهلي، فيقال له: اسكن. وأما المنافق فيقعد إذا تولى عنه أهله، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، أقول ما يقول الناس، فيقال له: لا دريت، هذا مقعدك الذي كان لك من الجنة، قد أبدلت مكانه مقعدك من النار. قال محققو المسند: حديث صحيح .

فإذا قبر فإن روحه تنعم في الجنة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: وأرواح المؤمنين في الجنة وإن كانت مع ذلك قد تعاد إلى البدن، كما أنها تكون في البدن ويعرج بها إلى السماء كما في حال النوم، أما كونها في الجنة ففيه أحاديث عامة، وقد نص على ذلك أحمد وغيره من العلماء واحتجوا بالأحاديث المأثورة العامة وأحاديث خاصة في النوم وغيره، فالأول مثل حديث الزهري المشهور الذي رواه مالك عن الزهري في "موطئه" وشعيب بن أبي حمزة وغيرهما وقد رواه الإمام أحمد في "المسند" وغيره، قال الزهري: أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن كعب بن مالك الأنصاري ـ وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم ـ كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده}. انتهى .

وقال د.عمر الأشقر في القيامة الصغرى: الثالث: أرواح المؤمنين الصالحين: تكون طيورا تعلق في شجر الجنة، ففي الحديث الذي يرويه عبد الرحمن بن كعب بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما نسمة المسلم طير يعلق في شجر الجنة، حتى يرجعها الله إلى جسده إلى يوم القيامة" رواه أحمد، والفرق بين أرواح المؤمنين وأرواح الشهداء، أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح متنقلة في رياض الجنة، وتأوي إلى قناديل معلقة في العرش، أما أرواح المؤمنين فإنها في أجواف طير يعلق ثمر الجنة ولا ينتقل في أرجائها. انتهى.

فإذا كان يوم القيامة، وردت الأرواح إلى الأجساد نعم المؤمن في الجنة بروحه وجسده.

وما ذكرناه من كون نعيم الجنة يصل للمؤمن في قبره على روحه فقط، لا يعني أن عذاب القبر ونعيمه على الروح فقط، بل هو على الروح والبدن تابع ـ وإنما يختص الروح ما كان من نعيم الجنة أو عذاب النار ـ؛ قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية: ...وليس السؤال في القبر للروح وحدها، كما قال ابن حزم وغيره، وأفسد منه قول من قال: أنه للبدن بلا روح! والأحاديث الصحيحة ترد القولين... وما ورد من إجلاسه واختلاف أضلاعه ونحو ذلك ـ فيجب أن يفهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم مراده من غير غلو ولا تقصير، فلا يحمل كلامه ما لا يحتمله، ولا يقصر به عن مراد ما قصده من الهدى والبيان، فكم حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال والعدول عن الصواب ـ ما لا يعلمه إلا الله، بل سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام، وهو أصل كل خطأ في الفروع والأصول، ولا سيما إن أضيف إليه سوء القصد. والله المستعان، فالحاصل أن الدور ثلاثة: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار، وقد جعل الله لكل دار أحكاما تخصها، وركب هذا الإنسان من بدن ونفس، وجعل أحكام الدنيا على الأبدان، والأرواح تبع لها، وجعل أحكام البرزخ على الأرواح، والأبدان تبع لها، فإذا جاء يوم حشر الأجساد وقيام الناس من قبورهم ـ صار الحكم والنعيم والعذاب على الأرواح والأجساد جميعا، فإذا تأملت هذا المعنى حق التأمل، ظهر لك أن كون القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ـ مطابق للعقل، وأنه حق لا مرية فيه، وبذلك يتميز المؤمنون بالغيب من غيرهم، ويجب أن يعلم أن النار التي في القبر والنعيم، ليست من جنس نار الدنيا ولا نعيمها، وإن كان الله تعالى يحمي عليه التراب والحجارة التي فوقه وتحته حتى تكون أعظم حرا من جمر الدنيا، ولو مسها أهل الدنيا لم يحسوا بها، بل أعجب من هذا أن الرجلين يدفن أحدهما إلى جنب صاحبه، وهذا في حفرة من النار، وهذا في روضة من رياض الجنة، لا يصل من هذا إلى جاره شيء من حر ناره، ولا من هذا إلى جاره شيء من نعيمه، وقدرة الله أوسع من ذلك وأعجب، ولكن النفوس مولعة بالتكذيب بما لم تحط به علما، وقد أرانا الله في هذه الدار من عجائب قدرته ما هو أبلغ من هذا بكثير، وإذا شاء الله أن يطلع على ذلك بعض عباده أطلعه وغيبه عن غيره، ولو أطلع الله على ذلك العباد كلهم لزالت حكمته. انتهى.

 وهذا النعيم للمؤمن في البرزخ أمر غيبي لا يعلم حقيقته وتفاصيله إلا الله تعالى، ولا يلزم منه رؤية جميع النعيم.

فأما دخول الجنة يوم القيامة فيحصل به كمال التنعم للروح والبدن، قال ابن أبي العز الحنفي في الكلام على تعلق الروح بالبدن: الرابع: ...تعلقها به في البرزخ، فإنها وإن فارقته وتجردت عنه فإنها لم تفارقه فراقا كليا بحيث لا يبقى لها إليه التفات ألبتة، فإنه ورد ردها إليه وقت سلام المسلم، وورد أنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه، وهذا الرد إعادة خاصة، لا يوجب حياة البدن قبل يوم القيامة، الخامس: تعلقها به يوم بعث الأجساد، وهو أكمل أنواع تعلقها بالبدن، ولا نسبة لما قبله من أنواع التعلق إليه، إذ هو تعلق لا يقبل البدن معه موتا ولا نوما ولا فسادا، فالنوم أخو الموت. فتأمل هذا يزح عنك إشكالات كثيرة. انتهى. 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة