حكم من يقول أقولا شركية ولا يدري معناها

0 177

السؤال

في الماضي كانت الأم تقول لأولادها: كانوا يقولون لنا إذا رأيتم حلما سيئا أن نقول: "رأيت حلما رأيت حلما، يا محمد، اجعله صالحا، يا علي أسد الله". وإحدى بنات هذه الأم عندها غلبة الظن أنها كانت تقول هذه الجمل بعد بعض الأحلام السيئة ولا تعلم كم كان عمرها آنذاك، ولم تكن تعلم أن هذه الجمل ربما تكون استغاثة بغير الله، وكانت تكررها دون تفكر بمعنى هذه الجمل، وغلبة الظن أن الأم أيضا لم تكن تعلم معنى ما تقول. فما حكم هذه الفتاة وأمها؟ وهل يجب سؤال الأم إذا كانت تدري ما تقول؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالذي ينبغي أن يقوله من رأى حلما سيئا بينه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأرشد إليه فيما ثبت عنه؛ فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها، فإنما هي من الله؛ فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان؛ فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره.

وروى -أيضا- عن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا حلم أحدكم حلما يخافه فليبصق عن يساره، وليتعوذ بالله من شرها، فإنها لا تضره. فهذا هو التوجيه النبوي الذي ينبغي أن يمتثل.

وأما الحيدة عنه والتوجيه إلى قول: "يا محمد اجعله صالحا، يا علي أسد الله" ونحو ذلك من الأقوال البدعية الشركية: فلا يجوز، ويعتبر من الدعاء الذي لا يجوز صرفه لغير الله تعالى؛ فقد قال الله تعالى: ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين * وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم [يونس: 106-107]، وقال تعالى: ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون {الأحقاف:5}.
وروى البخاري في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار"، وروى أحمد، والترمذي، وأبو داود، وابن ماجه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدعاء هو العبادة"، وقرأ: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) إلى قوله: (داخرين).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فكل من غلا في نبي، أو رجل صالح، وجعل فيه نوعا من الإلهية، مثل أن يدعوه من دون الله، بأن يـقول: (يا سيدي فلان أغثني، أو أجرني، أو أنت حسبي، أو أنا في حسبك)؛ فكل هذا شرك وضلال، يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل؛ فإن الله أرسل الرسل ليعبد وحده، لا يجعل معه إله آخر، والذين يجعلون مع الله آلهة أخرى، مثل الملائكة، أو المسيح، أو العزير، أو الصالحين أو غيرهم؛ لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق وترزق، وإنما كانوا يدعونهم، يقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله. فبعث الله الرسل تنهى أن يدعى أحد من دون الله، لا دعاء عبادة، ولا دعاء استغاثة. اهـ.
وقال: فمن جعل الملائكة، والأنبياء وسائط، يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يسألهم غفران الذنب، وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسد الفاقات؛ فهو كافر بإجماع المسلمين. اهـ.
وفي حاشية ابن القاسم على الأصول الثلاثة -عند قوله تعالى: وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا {الجن: 18}-: { أحدا} نكرة في سياق النهي شملت جميع ما يدعى من دون الله، سواء كان المدعو من دون الله صنما أو وليا أو شجرة أو قبرا أو جنيا، أو غير ذلك، فإن دعاء غير الله هو الشرك الأكبر، والذنب الذي لا يغفر إلا بالتوبة منه. اهـ.

والذي ينبغي الآن هو: تعليمهم آداب الرؤيا، وما يجب تعلمه من توحيد الله والبعد عما يناقضه من دعاء غير الله والاستغاثة به، ثم إن جهل هؤلاء مانع من تكفيرهم قبل إقامة الحجة عليهم بما تقوم به الحجة؛ فلا يحكم بكفر المعين إلا إذا توفرت فيه شروط التكفير وانتفت عنه موانعه، ومن ذلك: أن ‏يكون بالغا، عاقلا، مختارا، غير معذور بجهل أو تأويل فيما يكون فيه الجهل والتأويل عذرا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة