السؤال
قبل أربع سنوات كنت أحلف بالكفر ـ والعياذ بالله ـ لأحمل نفسي على الطاعة، وهذا أسلوب خاطئ، ولكنني ذات مرة جاءني التفكير بأن الكفر قد يجب ما قبله، والحمد لله لم أكفر ولم أقطع الصلاة نهائيا، ولكنني تذكرت في هذه الأيام تلك الحادثة فأصابني نوع من الهم، فهل هذا يعتبر من التردد في الكفر؟ وهل يكفر الإنسان بذلك التفكير؟ وضحوا لي معنى التردد في الكفر، فإنني لم أكفر ولم أعمل عملا يكفر، وفي حالة حصول الكفر ـ والعياذ بالله ـ فهل يكفيني التشهد في الصلاة، علما بأنني أتلفظ بالتشهد في الصلاة بدون حضور قلب؟ وأعلم أن التشهد ركن من أركان الصلاة، ومؤمن في قلبي يقينا بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم والإسلام، وقد كنت وليا في زواج أختي والآن لديها طفل، فهل زواجها صحيح؟ ومرت الأيام والسنوات والحمد لله لم أكفر.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الحلف بالكفر لا يجوز وقد ورد فيه الوعيد الشديد، لكن الحالف به لا يكفر إلا إذا أضمر الكفر ـ والعياذ بالله ـ جاء في الموطأ: قال مالك في الرجل يقول كفر بالله أو أشرك بالله ثم يحنث: أنه ليس عليه كفارة وليس بكافر ولا مشرك حتى يكون قلبه مضمرا على الشرك والكفر، وليستغفر الله ولا يعد إلى شيء من ذلك، وبئس ما صنع. اهـ.
وقال الشيخ زكريا الانصاري في شرح منهج الطلاب: قوله إن فعلت كذا فأنا يهودي، أو نحوه كأنا بريء من الإسلام، أو من الله أو من رسوله، فليس بيمين، ولا يكفر به إن قصد تبعيد نفسه عن الفعل، أو أطلق، كما اقتضاه كلام الأذكار، وليقل لا إله إلا الله محمد رسول الله ويستغفر الله، وإن قصد الرضا بذلك إن فعله، فهو كافر في الحال. اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 213730.
وعلى هذا، فإن ما وقع من السائل سابقا بالحلف بالكفر لا يخرجه من الملة، كما أن الأفكار التي أتته بأن الكفر يجب ما قبله لا يترتب عليها شيء، إذ ليس فيها نية ولا عزم على الكفر ولا تردد فيه، وإنما هي مجرد وساوس وخواطر خطرت على باله دون أن يصاحبها قصد الكفر بدليل قوله: ومرت الأيام والسنوات والحمدلله لم أكفر ـ وقوله أيضا: حيث إنني لم أكفر ولم أعمل عملا مكفرا ـ وبالتالي، فينبغي له أن يطمئن ويصرف عنه الهموم والوساوس الشيطانية، ويعلم أنه لم يكفر بما حصل، لأن الخواطر النفسية لا يترتب عليها شيء وخاصة إذا كانت من الموسوسين، ومن ثم فلا داعي للكلام فيما سأل عنه بعد ذلك بشأن التشهد في الصلاة وكونه كافيا في التوبة من الردة أو الولاية على نكاح أخته، لأنه مبني على افتراض غير صحيح، حيث تبين أنه لم يحصل ما يكفر به، وانظر للفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 123135، 265258، 177353.
أما فيما يتعلق بمعنى التردد في الكفر: فإن المقصود به من تردد هل يفعل الكفر أو لا يفعله، لا ما يجري في الأنفس من خواطر، جاء في تحفة المحتاج إلى شرح المنهاج للهيتمي: ...أو عزم على الكفر غدا مثلا، أو تردد فيه أيفعله، أو لا كفر في الحال. اهـ.
وفي مغني المحتاج: أو تردد فيه حالا بطريان شك يناقض جزم النية بالإسلام, وهذا وارد على الحد كما مر, إذ لا قطع فيه كفر جواب لجميع ما مر من المسائل المذكورة, فإن لم يناقض جزم النية به كالذي يجري في الكن فهو مما يبتلى به الموسوس، ولا اعتبار به كما قاله الإمام. اهـ.
مع العلم بأن تردد الموسوس المغلوب على أمره غير معتبر في هذا الأمر، لأنه خارج عن إرادته وقدرته، والله عز وجل يقول: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها {البقرة:286}.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه والبيهقي، وصححه الألباني.
والله أعلم.