السؤال
سؤال حول هل الرسول صلى الله عليه وسلم مخير أو مسير؟ لقوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى) وحادثة شق الصدر، وقوله سبحانه: (والله يعصمك من الناس) وهو المصطفى وهو الرحمة المهداة إلخ... حيث أسأل هل يستطيع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعصي الله؟ هل كان يستطيع أن يقصر؟ ما معنى أنه معصوم؟ (هل كل إنسان معصوم من الله يستطيع أن يتحمل ما تحمله الرسول صلى الله عليه وسلم أسال الله أن يغفر لي الشبهة التي أقول.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا ننصحك أولا بالاشتغال بالعلم الذي ينبني عليه عمل بالنسبة لك، وأن تحذر من تتبع الشبه، فإن الشبهة قد تعلق في القلب فلا يستطيع المرء التخلص منها.
وبخصوص السؤال فإن في تراكيبه بعض الغموض لكن نقول حسب ما فهمنا: إن البشر مخيرون في باب التكاليف، وأما الأنبياء: فهم معصومون من الذنوب الكبيرة، ومعصومون في التبليغ عن الله ـ تبارك وتعالى ـ، وأما الصغائر: فقد تقع منهم، ولكنهم إذا وقعوا في شيء منها لا يقرون عليها، بل ينبههم الله ـ تبارك وتعالى ـ عليها، فيبادرون بالتوبة منها، وهذا ما ذهب إليه أكثر أهل العلم.
وقد سبق لنا بيان ذلك في عدة فتاوى، فراجع منها الفتاوى التالية أرقامها: 6901، 29447، 189363، 54423 .
وقد اختلف أهل العلم هل العصمة جائزة في حق غير الأنبياء من الصالحين والأولياء والعلماء أم لا؟ والصحيح أنه يجوز ـ عقلا ـ أن يحفظ الله تبارك وتعالى بعض عباده الصالحين, فيعصمه من الوقوع في الذنوب والمعاصي, ولكن هذا لم يثبت لأحد بعد الأنبياء، بل الانبياء قد تقع منهم الصغيرة كما سبق.
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي عند شرحه لدعاء صلاة الحاجة حيث قال: (والسلامة من كل إثم) قال العراقي فيه: جواز سؤال العصمة من كل الذنوب، وقد أنكر بعضهم جواز ذلك؛ إذ العصمة إنما هي للأنبياء والملائكة، قال: والجواب أنها في حق الأنبياء والملائكة واجبة, وفي حق غيرهم جائزة؛ وسؤال الجائز جائز؛ إلا أن الأدب سؤال الحفظ في حقنا لا العصمة، وقد يكون هذا هو المراد هنا. اهـ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: والأولياء وإن كان فيهم محدثون كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنه قد كان في الأمم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فعمر، فهذا الحديث يدل على أن أول المحدثين في هذه الأمة عمر، وأبو بكر أفضل منه إذ هو الصديق، فالمحدث وإن كان يلهم ويحدث من جهة الله تعالى، فعليه أن يعرض ذلك على الكتاب والسنة، فإنه ليس بمعصوم كما قال أبو الحسن الشاذلي: قد ضمنت لنا العصمة فيما جاء به الكتاب والسنة، ولم تضمن لنا العصمة في الكشوف والإلهام، ولهذا كان عمر بن الخطاب وقافا عند كتاب الله، وكان أبو بكر الصديق يبين له أشياء تخالف ما يقع له، كما بين له يوم الحديبية، ويوم موت النبي صلى الله عليه وسلم، ويوم قتال ما نعي الزكاة وغير ذلك، وكان عمر يشاور الصحابة فتارة يرجع إليهم، وتارة يرجعون إليه.. وكان يأخذ بعض السنة عمن هو دونه في قضايا متعددة، وكان يقول القول فيقال له: أصبت، فيقول: والله ما يدري عمر أصاب الحق أم أخطأه، فإذا كان هذا إمام المحدثين، فكل ذي قلب يحدثه قلبه عن ربه إلى يوم القيامة هو دون عمر، فليس فيهم معصوم، بل الخطأ يجوز عليهم كلهم، وإن كان طائفة تدعي أن الولي محفوظ، وهو نظير ما يثبت للأنبياء من العصمة، والحكيم الترمذي قد أشار إلى هذا، فهذا باطل مخالف للسنة والإجماع، ولهذا اتفق المسلمون على أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
ولو حصل حفظ الله لبعض العباد من الذنوب فلا يلزم من ذلك أنه يستطيع تحمل مثل ما تحمله الرسول صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.